دَرَجَ القوم، عندنا في الأشهر الأخيرة وحتى اليوم، على استعارة اسم اليونان وإدخاله في كل كلامٍ حول أزمتنا الاقتصادية: احذروا اليونان. اتعظوا من اليونان. إياكم وتجربة اليونان. الخ…
والواقع أن هناك بوناً شاسعاً يفصل بيننا وبين اليونان!
وبالتالي فإذا وقعنا، لا سمح الله، فستتعذر علينا القيامة، بينما اليونان، شريكنا على حوض البحر المتوسط، لديه إمكانات ليست متوافرة لدينا:
فاليونان بلد السياحة الأكثر ازدهاراً في العالم إذ يستقبل سنوياً نحو 20 مليون سائح، وهو البلد ذو الحضارة الأعرق فنياً وفكرياً وفلسفياً وثروات طبيعية رائعة، وتراثاً عميقاً في تاريخ الصناعة السياحية. وفيه صناعة تشكل نحو 22 في المئة من الناتج الوطني الإجمالي. وهذا رقم مرتفع يُعتد به.
لذلك فإنّ مَن يقيم تشبيهاً بيننا وبين اليونان فإنما يظلم البلدين في آنٍ معاً. علماً أن التحذير من الوصول في أزمتنا الاقتصادية – المالية الى ما وصل إليه اليونان إنما هو تحذير في محلّه، كون اليونان استطاع القيامة، وبصعوبة نادرة، رغم إمكاناته الكبيرة الوارد بعضها أعلاه، أما نحن فإذا وقعت الواقعة لا سمح الله، فمن المتعذر تخيل قيامة في مستقبل منظور. خصوصاً وأنّ الاتحاد الأوروبي (كمجموعة وكدول منفردة) مدّ يداً فاعلة الى اليونان، أمّا نحن فسنكون متروكين الى قدرنا!
يعاني العالم، منذ العام 2008 حتى اليوم، تداعيات الأزمة العالمية الكبرى التي عصفت بالولايات المتحدة الأميركية بسبب تراكم ديون المصارف الأميركية غير المراقبة، ولم تلبث الأزمة أن امتدت لتشمل أنحاءً عديدة من العالم خصوصاً تلك التي تعتمد «الدولرة» وأيضاً تلك التي يعتبر الدولار مهماً في تعاملاتها … وقد طاولت الأزمة الكبرى دول المنطقة ودولاً خليجية كما هو معروف، تلك الأزمة التي لم يشف العالم من ارتداداتها بعد، رغم مرور عقد وأكثر عليها، هل يستطيع لبنان أنّ يواجهها… سنتذاك.
رفع ألان غرينسبن حاكم الاحتياطي الأميركي الفوائد فبات المدين عاجزاً عن أن «يسكّر» الفائدة وليس أساس الدين وحسب.
والمصارف الأميركية التي كانت معرّضة للإفلاس لجأت الى ما عُرف بــ»السندات المسمومة» وأخذت تروجها للزبائن في أوروبا وآسيا وتحديداً في بلدان الخليج التي بلغت خسائرها في حينه 180 مليار دولار جراء الاستثمار في تلك السندات. ولكن لتلك الدول قدرات هائلة وثروات طائلة مكنتها من القيام من عثراتها… أما نحن فمن يقيلنا من العثرات؟! وما هي قدراتنا؟ ونحن العاجزون عن مواجهة أبسط متطلبات الحياة؟!
لذلك يفترض الأخذ بتحذيرات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي… وبالتحذير الإنذار الفرنسي عبر الموفد دوكالي منسق مؤتمر سيدر: لا مُهَل، طبّقوا الإصلاحات!
نحن لسنا اليونان! فهو ليس منشغلاً بأزمة الكهرباء، وبأزمة النفايات، وبأزمة التوظيفات، وبالعجز عن إقرار الموازنة! فإذا وقعنا لن تكون لنا قيامة!