من بين دول العالم أجمع نحن في لبنان نعيش على تسويات تفتقر الى قواعد ثابتة لبناء وطن جذوره في الارض وأغصانه المثمرة في السماء. والكل يتغيّر، وعلى جهوز مستمر للمبادرة الى مواقف جديدة، عقيمة. ونقف عند كل استحقاق مكتوفين، لا نصل ولا ننجز، فلا يبقى لنا نحن الشعب الذي صار فعلاً خارج المغامرة الحمقاء الكبرى الا الهجرة الى حياة جدّ وحق وجمال، خارج الوثنية العتيقة التي أوقعتنا لأجيال في شرك الجمود، فلا نعود نعي اننا نحن من يعرقل نبض الحياة الطبيعية، فنتحجّر وما من منقذ.
فعلاً تحجّرنا من زمان، منذ القرون الوسطى، وأثناء البلاء العثماني الفاقد لجوهر “الانسانية” فقيراً للرأفة وللفهم. وكل ما مرّ، مرّ مظللاً بوشاح أديان قاتم لفّنا حاجباً للنور، فيظل حراكنا مربكاً بلا هدف… ما هم لو جاءنا رئيس للجمهورية “الافتراضية” اليوم، لا ينتمي الى المذهب الماروني، فلا يعود مركز الرئاسة مقيّداً بما فرزه الفكر البشري من زمان؟ فإنسان هذا الشرق الذي ما قام بعد من النوم، بلا قيمة انسانية خارج طائفته الدينية المقدسة.
علّتنا الاولى اننا لا ننتمي الى الارض، ولا نعطي قلوبنا حرية الانتماء الروحي الناتج من “معرفة”، لا من “وراثة” لا تتطور مفاهيمها مع مرور العصور. ونصير لعبة الجميع، نخلط مفهوم الوطن مع مفهوم الانتماء المذهبي: لهذه الطائفة حق أن تتمثّل في موقع رئاسة الجمهورية، ولتلك ان تتمثل برئاسة الحكومة مثلاً، ولن تتمتع بأهمية مذهبية أقل: منصب نيابة رئاسة ما. ونظل ندور في دوامة الطوائف والمذاهب والتخلف ونصير لعبة الغرب اللاطائفي والعرب المسلمين السنّة، والفرس المسلمين الشيعة، وكلهم يؤمنون بخالق واحد، لما خلق الاكوان كانت الحرية وسيلته الوحيدة، والحب غايته، ولا شيء الا الحب.
وعلّتنا الثانية اننا لسنا مثل غيرنا ممن يعرفون الثابت من المتحوّل، فنظل نحرك في دائرة مفرغة. لذا نحن من يستبيح كرامة الوطن، فيستبيحه غيرنا، ويخرب سلامنا طالباً منا التزام الحياد، وهو ليس على حياد معنا، يسرق حرية قرارنا، ويرهبه اعلامنا فيثور. الا اننا لسنا مثل غيرنا، نحن المؤمنين بالعلمنة نهجاً لحياة متماسكة، تتطور باستمرار، فلا يقبض عليها من يعطي نفسه حق الامساك بمصيرنا من باب السطوة المذهبية المبرمجة على الخراب الحقيقي، وما حقيقي في أفق ما سيأتي الا آبار غاز ونفط مشتهاة، ونحن لم نفتح علبها المقفلة بعد.