لا ندري كم تكون المقارنة ممكنة وواقعية بين ازمة الصواريخ الشهيرة التي نصبتها سوريا في مطلع الثمانينات من القرن الماضي وافضت آنذاك بتداعياتها التصاعدية ومن ضمنها نشوء وساطة الموفد الاميركي اللبناني الاصل فيليب حبيب الى الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 وبين الازمة الناشئة من الجولان هذه المرة. في تلك الحقبة ايضا كان خط الصراع العربي – الاسرائيلي موصولا بادبيات “الجبهة الاستراتيجية الموحدة” التي كان الرئيس السوري السابق حافظ الاسد رمز مطلقيها وممارسيها وان من خلال امساكه وسيطرته على “الورقة اللبنانية” (نشأت هذه التسمية منذ ذاك الحين) ارضا وعسكرا ومخابرات بديلا من تحريك جبهة الجولان وعبر براعته الشهيرة المشهودة في احترام الخطوط الحمر التي رسمها الاميركيون عبر وزير الخارجية الاسبق هنري كيسنجر لدى دخول القوات السورية الى لبنان عام 1976 الى ان قرر الاسد ان يحرك الخلفية الاستراتيجية في مرتفعات صنين.
تبدلت الآن بطبيعة الحال كل ظروف الواقع اللبناني وكل معطيات وهويات الظروف السورية والاقليمية. وحتى اللاعب اللبناني المباشر بارتباطاته المتعددة الهوية بين ايرانية وسورية وفلسطينية اي “حزب الله” لم يكن قد ولد بهيكليته التنظيمية في ازمة الصواريخ. ولكن شعار توحيد الجبهة وتمددها من الجولان الى الناقورة عاد ليتصاعد عقب تهديد الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله بالرد على الاعتداءات الاسرائيلية على سوريا من منطلق اعتبارها اعتداءات على محور المقاومة ومن ثم ترسيخ هذا المفهوم عقب قيام اسرائيل بضربتها لموكب مشترك من الحرس الثوري الايراني و”حزب الله” في القنيطرة.
ثمة كثير مما يجب ان يثير الذهول لدى اللبنانيين امام مفارقة التجربتين في ما يمكن الاستناد اليهما واقع لم يتبدل في واقعهم على رغم مرور عقود وتراكمها ولكن ابرزه ان هذه “الورقة” لا تزال نقطة استقطاب حارة جدا الى الحدود التي حركت معها هذه المرة الجبهة “النائمة” او الخامدة في الجولان تحريكا غير مسبوق بخطورته منذ احتلال اسرائيل للهضبة الاستراتيجية عام 1973 على وقع الانخراط الايراني مع “حزب الله” انخراطا عميقا وشاملا في الحرب السورية. كما انه مع تلاشي البعد “القومي” للصراع العربي – الاسرائيلي الى حد الذوبان والاضمحلال تقريبا بات العامل الايراني يملأ “الفراغ” او “الشغور” العربي ويحرك الجولان اسوة بدعمه لـ”حزب الله” في لبنان وعلى ارض الصراع السوري. كما ان مسار العمليات والاعتداءات الاسرائيلية وان صارت مهجوسة بالقوة المتنامية والمتعملقة لـ”حزب الله” لا يتبدل بتبديل اللاعبين. اما من “الأول والآخر” فإن اشد ما يذهلنا هو “مناعة” لبنان عن عدم القدرة على التحكم بواقعه ومصيره “وورقته” الهائمة السائبة وكأنه لم يبق لنا منها سوى توريث الخوف وحده.