قال العماد ميشال عون بعد اجتماع تكتّل «التغيير والإصلاح» الأسبوعي «نحن في الخط الرابح للحرب في الشرق الأوسط»، ما ذكّرَ بقوله بعد 7 أيار 2008 «لقد وضَعنا التران على السكّة». وإذا كان قطار 2008 أخرجَه من الرئاسة من باب الدوحة، فهل يُخرجه الانتصار الجديد من المعادلة الرئاسية نهائياً. مَن هو «الخط الرابح للحرب في الشرق الأوسط»؟ وبما أنّ عون يقصد بالتأكيد محورَ الممانعة، يفترض بديهياً أن يطلِع الرأي العام كيف وصَل إلى هذا الاستنتاج؟
فهو لم يقصد النووي للقول بأنّه يتكلم عن تفوّق إيراني على العرب في هذا الملف، وذلك بمعزل عن كيفية ترجمةِ هذا التفوق، وبالتالي تقصّدَ الكلام عن انتصار عسكري، ولذلك السؤال الذي يطرح نفسَه: عن أيّ انتصارات يتحدّث عون؟
فإذا كان يقصد اليمن، فـ»عاصفة الحزم» أسقطَت الانقلاب الحوثي وبدأت تعيد السلطة الشرعية تدريجاً إلى البلاد من بوّابة عدن، والحصار المفروض على اليمن سيؤدّي عاجلاً أم عاجلاً إلى دخول الحوثيين في تسوية بشروط الشرعية وتحت سقف المبادرة الخليجية.
وإذا كان يقصد العراق، فالحكم الإيراني «الرشيد» لبلاد ما بين النهرين أدّى بعد حوالى العقد على إسقاط نظام الرئيس صدام حسين والإمساك الإيراني بكلّ مفاصل البلد، إلى انفراط عقد هذه الدولة وتحوّل جزءاً واسعاً منها إلى سلطة «داعش» بعد تفَكّك مستغرَب للجيش الذي أنفقَ عليه مليارات الدولارات، كما عجزَت قوّات اللواء سليماني عن استرجاع العراق إلى الحاضنة الإيرانية.
وإذا كان يقصد سوريا، فالنظام السوري الذي شكّلَ على امتداد عقود أقوى الأوراق الإقليمية لطهران، انحسَر إلى ما دون ربع الجغرافية السوريّة، وانتهى إلى ورقة تفاوضية غير قابلة للصَرف إلّا بعد إخراجه من سوريا، وإلّا الأزمة ستراوح، والانحسار سيتواصل.
وإذا كان يقصد لبنان، فـ«حزب الله» الذي أسقطَ حكومة الرئيس سعد الحريري وضِمناً التوازن الإقليمي الذي نشأ بعد الخروج السوري من لبنان بين طهران والرياض، سرعان ما تراجَع عن خطئه وأعاد بنفسِه الاعتبارَ للتوازن الإقليمي، كما أعادَ مفاتيح السراي الحكومي إلى الحريري ليكلّف مَن يشاء من أجل تبريد الشارع السنّي والتكفّل بمواجهة التطرّف الذي دخلَ إلى عمق بيئة المقاومة.
وإذا كان يقصد فلسطين، فالحضور الإيراني داخل المعادلة الفلسطينية هو الأقلّ تأثيراً اليوم مقارنةً مع كلّ المراحل السابقة، بل تحوّلَ هذا الحضور إلى إعلامي لا عمَلي.
وانطلاقاً مما تقدّمَ، عن أيّ خط رابح يتحدّث العماد عون؟ فطهران بعد النووي تحاول التبريد مع السعودية وتطمين السُنّة، ولم يَصدر عنها بالذات أيّ إشارة انتصارية بعد توقيعها للنووي، فضلاً عن أنّ كلام عون تقاطعَ مع كلام بعض المسؤولين الإيرانيين عن وضع يد طهران على أربع عواصم عربية، والذي حاولت لاحقاً التنصّل منه، لأنّه بَعيد عن الواقع والحقيقة أساساً.
ومِن ثمّ هناك استفاقة سنّية غير مسبوقة، ربّما، في التاريخ السنّي، وموجّهة ضد إيران وسياساتها، وبالتالي عدم إدخال طهران تعديلاً جَذرياً على هذه السياسات سيُبقي الحرب المذهبية عقوداً مِن الزمن، بل يؤدي إلى تسعيرها، فضلاً عن أنّ طهران تدرك أنّ نفوذها قبل الحرب المذهبية، التي كانت سوريا شرارتها الأساسية، كان أقوى وأفعل وأكبر، حيث إنّ هذه الحرب أعادت ترسيمَ النفوذ الإيراني من الخطوط القومية والوطنية إلى داخل المربّع الشيعي.
وقد أثبتت السنوات الأخيرة أنّ الحرب عطّلت بشكل أو بآخر النفوذَ الإيراني، وأنّ من مصلحة طهران الذهاب نحو السلام من أجل استثمار هذا النفوذ الذي هناك إقرار وتسليم به شرط أن يكون في خدمة الاستقرار لا العكس.
والغريب أنّ العماد عون، وعلى طريقة «الذاهب إلى الحجّ والناس راجعة»، يتحدّث عن انتصار الخط الإيراني، في الوقت الذي تحاول فيه طهران الظهور بحلّة جديدة، وتتقدّم للمرّة الأولى بتاريخها بمبادرات سلام تحتاج إلى التواصل مع كلّ القوى الإقليمية والدولية من أجل تسويقها، إلّا إذا كان يعتقد عون أنّه يستطيع توريط دولة إقليمية بحجم إيران بالكلام عن انتصارات.
وإنْ دلَّ مسار الأحداث في المنطقة على شيء، فهو أنّه لن يكون هناك من رابح أو خاسر، وأنّ التوازن سيبقى سيّد الموقف، وواهمٌ مَن يعتقد أنّ الشيعي سيَهزم السنّي، أو أنّ السنّي سيهزم الشيعي، و أنّ إيران ستهزم السعودية، أو أنّ السعودية ستهزم إيران، لأنّ شعور أيّ طرف بالهزيمة يعني تشجيعاً للتطرّف والأصولية والداعشية والحروب المستدامة.
وكيف يوَفّق العماد عون بين كونه على مسافة واحدة من الجميع، وهكذا يوصِّف نفسَه بالمرشّح الوسطي، وبين الإعلان عن أنّه في الخط الرابح؟ فعن أيّ توافقية يتحدّث عندما يكون هناك رابح وخاسر؟ وهل يُبنى لبنان على قاعدة الغالب والمغلوب؟ وإذا كان هو فعلاً في الخط الرابح للحرب في المنطقة، لماذا لا يتوَّج رئيساً في قصر بعبدا؟ وفي حال لم يتوَّج ألا يَعني أنّه في الخط الخاسر.
وعن أيّ خط رابح يتحدث عون في الوقت الذي يثَمّن فيه وزيرُ الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف «الدورَ الذي لعبَه الرئيس تمام سلام في مكافحة التطرّف والإرهاب وأدّى إلى الهدوء والاستقرار في لبنان»، وقول ظريف «إنّنا نَعتبر أنّ اليوم ليس للمنافسة في لبنان، والتنافس يجب أن يكون لإعمار لبنان».