IMLebanon

نحن والأرمن معاناة واحدة وقاتل واحد

عندما يتغلب انتماء الشخص لطائفته او مذهبه، على انتمائه الى وطنه، تبدأ اسس العيش المشترك بالاهتزاز.

وعندما يصبح الغريب عند هذا الشخص، اقرب من الشريك في الوطن، لان هذا الغريب من ذات الطائفة والمذهب، فعندها لا بد لأسس العيش المشترك من ان تنهار، خصوصاً متى كانت الدولة المركزية، ضعيفة ومسلوبة الارادة والقرار، كما هي دولة لبنان في هذه الايام، وعاجزة عن تحقيق التوازن والمساواة بين مكوّنات الوطن المتعددة، وعندها يصبح التفكير بنظام بديل قادر على تأمين الامان والاستقرار والعدل لجميع المكونات، تحصيلاً حاصلاً وحقاً مشروعاً.

احتفالات ذكرى الابادة الارمنية على يد العثمانيين منذ اكثر من مائة سنة، التي احياها المواطنون الارمن في لبنان وكل العالم، والتي شاركهم فيها مواطنون لبنانيون من طوائف مختلفة، كانت مناسبة ليكتشف اللبنانيون ان فريقاً لبنانياً في الهوية، والحمدلله انه ليس اكثرية، كشف بوضوح انه يفضّل الغريب على ابن بلده، لانه هو والغريب من ذات الطائفة والمذهب، فتبرع تلقائياً او مدفوعاً، الى نفي تعرض الشعب الارمني الى اي ابادة، بل وحمّله مسؤولية الاحداث التي حصلت في تركيا، وان «الجالية الارمنية» هي التي بادرت الى قتل «المسلمين» وفق التوضيح المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي، وتآمرت مع الروس على السلطة الشرعية، ما اضطرها الى ترحيل اكثر من مليون ارمني وسيراً على الاقدام من مناطق تواجدهم في وسط تركيا، وبشكل خاص من اسطنبول الى داخل سوريا، ولم ينج منهم سوى طويل العمر، حيث كانوا يتعرضون، وفق المنشور ذاته، الى التعذيب والقتل والاغتصاب من قبل الجنود العثمانيين الذين ساقوهم الى الذبح. بالاضافة طبعاً الى الامراض والجوع والعوامل الطبيعية القاسية.

هذه الفئة «الداعشية» المستترة، التي تجاهلت جميع الوثائق والمستندات والصور وشهادات من بقي على قيد الحياة، وبعضهم في سوريا ولبنان ما زال حياً، يروي بدموعه وآلامه، المأساة لاولاده واحفاده واولاد احفاده، وقد تعممت جميعها على دول العالم والمؤسسات الدولية والانسانية، تجاهلت ايضاً وبكثير من الوقاحة، شبه الابادة التي تعرّض لها لبنان من قبل الجيش العثماني – التركي، حيث سيق الالاف من اللبنانيين، اما الى التجنيد الاجباري، واما للاعمال الشاقة، ومات منهم الكثير الكثير، اضافة الى الذين ماتوا جوعاً بسبب الحصار الذي ضربه العثمانيون المجرمون على الموانيء البحرية والبرية، وتركهم ارتال الجراد تلتهم الاخضر واليابس، دون ان ننسى الشهداء من مختلف الطوائف الذين علقوهم على اعواد المشانق في عاليه وساحة البرج، التي سميت ساحة الشهداء تكريما لهم، ويقدر المؤرخون ان ثلث الشعب اللبناني قضى جوعاً او قتلاً او تعذيباً ايام الاحتلال التركي البغيض، وليس مستغرباً ان بتعاطف اللبنانيون مع الشعب الارمني، وخصوصا مع من استطاع النجاة والوصول الى لبنان، واصبح لبنانياً كامل الانتماء الى لبنان الوطن، فالمعاناة واحدة والمصير ايضا واحد، ولا بأس في هذه المناسبة من ذكر حالات يعرفها القليلون ربما، ان عدداً لا بأس به من الذين عادوا وهاجروا الى الولايات المتحدة ما زال الاحياء منهم يحملون الجنسية اللبنانية واولادهم كذلك، ومن يتوفى منهم يحمل الى لبنان ليدفن في ارضه بناء على وصيته.

***

في عود الى بدء، لا بد من التأكيد انه بوجود ناس بهذا التوجه وهذا التعصب، وهذه النفسية، لا حل متوفر للحفاظ على وحدة لبنان سوى اللامركزية الادارية الموسعة، وعندما نسمع قلق شخص بحجم النائب وليد جنبلاط على مستقبل لبنان، وعدم ايمانه بان الحلول السطحية الآنية، يمكن ان تحمي لبنان من المصير الاسود، يصبح عدم التفتيش عن حلول جذرية جريمة كبرى ترتكب بحق الوطن والمواطن.