إنّه يوم تاريخي في القاهرة بكل ما في الكلمة من معنى، ليس فقط لأنها الزيارة الأولى لواحدة من أرفع الشخصيات العالمية الى القاهرة منذ سبع عشرة سنة (بعد زيارة البابا يوحنا بولس الثاني في العام 2000)… إنما لأنها مثلت بعداً إنسانياً، دينياً، مسيحياً – إسلامياً، من أجل سلام البشرية الغارقة في الحروب وسفك الدماء، خصوصاً في منطقتنا.
لقد حط قداسة البابا فرنسيس الأوّل في “القاهرة المحروسة” على بعد كيلومترات من سيناء حيث الجيش المصري البطل يدفع يومياً ضريبة الحفاظ عى أرض الكنانة في مواجهة جحافل الإرهاب، وفي أرض مصر التي جبلت بدماء الأبرياء من الشعب المصري، مسلمين ومسيحيين، الذين سقطوا من دون أي ذنب.
رسول سلام جاء قداسته، ورسول محبة، وحاجاً من أجل السلام، وملاقياً شيخ الأزهر الدكتور احمد الطيب في المؤتمر الكبير الذي يقام في جامعة الازهر من أجل السلام العالمي وحوار الأديان، ومواصلاً علاقة مع الدولة المصرية، عبر رئيسها عبدالفتاح السيسي الذي سبق أن زار حاضرة الڤاتيكان قبل أيام والذي يسعى ليجعل من مصر داراً للسلام الحقيقي بين أطياف شعبها الواحد، وبينها وبين دول الإقليم والعالم قاطبة.
والبابا فرنسيس الأوّل يحظى بشعبية ملحوظة في العالم الاسلامي لمحاولاته تحسين العلاقات بين المسيحية والاسلام في حوار دائم وتعايش لا غنى عنه، وهو لم يكتفِ برفع الشعارات إنما نفذ بضع خطوات ذات أبعاد كبيرة حتى ولو بدت بسيطة في حد ذاتها، ذلك أنّ قداسته قام بغسل أقدام مسلمين خلال احتفالات خميس الغسل في أسبوع الآلام لدى الطوائف المسيحية الذي احتفل به قبل نحو اسبوعين، ويحفظ المسلمون للبابا فرنسيس أنه اصطحب معه في الطائرة، في العام الماضي، عشرة سوريين كانوا جميعاً من المسلمين، في طريق عودته من مخيّم للاجئين في اليونان الى روما، وعندما أدان المذبحة التي شهدتها باريس عام 2015 ضد مجلة “شارلي ايدو” قال أيضاً: “إنّ مَن يتهكمون على الديانات الأخرى يمكن أن يتوقعوا رداً قوياً”.
والبابا فرنسيس دأب على أن “يبكّت ويدين” الذين يقتلون باسم الله، ولكنه يرفض قطعياً صدام الحضارات، وهو الذي استهل كلامه الى المصريين بقوله بالعربية “السلام عليكم”، وقال: إنني سعيد حقاً أن آتي كصديق وكمرسل للسلا م وكحاج الى الارض التي قدّمت منذ أكثر من ألفي عام ملجأ وضيافة للعائلة المقدسة (يسوع ومريم ومار يوسف).
وردّد وكرّر مراراً قوله: نستطيع أن نعيش بسلام، نستطيع أن نعيش من دون حرب.
وكان لافتاً خلال المؤتمر الذي نظمه الأزهر بعنوان »مؤتمر الأزهر العالمي للسلام« وجود مجسم لثلاث كنائس وثلاثة مساجد، وهذا دليل على العمل لتكريس المحبة بين الطوائف ونبذ الفرقة ومناهضة التعصب الاعمى بكل أشكاله.
وهذا الصديق، ومرسل السلام (كما وصف ذاته) أمّنت له الدولة المصرية حماية أمنية كبيرة، إذ شهدت مناطق عديدة من القاهرة تعزيزات أمنية وانتشاراً كثيفاً لوحدات التأمين الخاصة من الجيش والشرطة، كما انتشرت وحدات كثيفة من الجيش والشرطة في مختلف الشوارع وبالذات في مداخلها ومخارجها إضافة الى الطريق الرئيس الذي يجتازه البابا والمناطق المحيطة بالقصر الجمهوري وطريق المطار بالطبع وسائر المناطق المقررة في الزيارة.