الاحتجاجات في الولايات المتحدة على مقتل شابين أسودين على أيدي شرطيين أبيضين في ولايتي نيويورك وميسوري أظهرت أن العدالة الاجتماعية الاميركية تعاني شوائب رئيسية. غير أن ثمة اعتقاداً عميقاً أن مظاهر التمييز لم تمح على رغم انتخاب رئيس أسود للبيت الأبيض، وعلى رغم تسليم ملونين أرفع المناصب في واشنطن. العالم بأسره يمكن أن يتذمر مما يعانيه الأميركيون من خلل نظام العدالة لديهم. كثيرون يصرخون في مواجهة السياسة الأميركية: “لا نستطيع أن نتنفس”!
تحمل أميركا قيماً محلية معقدة ذات أبعاد خارجية. تلقى هذه التحركات صدى واسعاً عبر العالم، ناهيك بالجدالات المهمة داخل الولايات المتحدة نفسها. كان هذا خصوصاً شأن ما يسمى “عقد الستينات” الذي انطلقت فيه من الولايات المتحدة وأماكن أخرى من العالم شرارات تحركات كبيرة لتعزيز حقوق الإنسان تحت رايات “الحقوق المدنية”. لا تزال ظاهرة الى اليوم بعض “المآثر” الأميركية في القضاء على أقبح مظاهر التمييز العنصري ضد السود وأوجه التحقير للمرأة. برفضها الانصياع لطلب سائق الحافلة الأبيض جيمس بلايك عدم الجلوس في مقعد غير مخصص لسحنتها، تحوّلت الأميركية – الأفريقية روزا باركس رمزاً لكسر “محرمات” و”قيود” فرضها البيض على الملونين في مستهل تلك المرحلة الاستثنائية في أميركا.
قادت أميركا العالم الى إنجازات تاريخية في الستينات من القرن الماضي.
لم تصل الأمور الى حد الانتفاضات على كل أشكال التمييز العنصري العلني. فأميركا لا تزال تواجه تمييزاً غير علني على رغم القوانين الحازمة في الشؤون المتعلقة بالحرية والمساواة. ثمة ما يمكن أن يساهم جديّاً في إزالة هذه المظاهر المقنعة: عبارة “لا أستطيع أن أتنفس” التي لفظها الشاب الأميركي الأسود إريك غارنر مع أنفاسه الأخيرة تحت يدي رجل الشرطة الأبيض دانيال بانتاليو في نيويورك، وصورة الفتى الأسود مايكل براون رافعاً يديه قبيل مقتله برصاص رجل الشرطة الأبيض دارن ويلسون في ميسوري. أثارت هاتان الحادثتان نقاشاً واسعاً يتوقع أن يستمر طويلاً في شأن حصانة العدالة الاجتماعية بسبب إخفاق هيئتي المحلفين في اصدار قرارين اتهاميين في القضيتين. لذلك يعتقد البعض أن مستوى الاحتجاجات يمكن أن يصل الى حدود تحركات “احتلوا وول ستريت” رفضاً لجشع المصارف، والتي ساهمت في الضغوط لفرض قيود على المعاملات المالية في الولايات المتحدة بعد الأزمة التي شهدها العالم عام 2007.
يمكن أن يقال الكثير في نظام العدالة الأميركي الذي يعاني شوائب رئيسية داخلياً، ناهيك بما يمكن أن يقال عنه خارجياً. يكفي أن يتطلع الى مأزق الولايات المتحدة في سجن غوانتانامو، والى ازدواجية المعايير في السياسة الخارجية الأميركية. يمكن البدء في فلسطين.