IMLebanon

لا نريد رئيساً للجمهوريّة 

 

 

متى ندرك كضحايا (ضحايا تواطئنا) أن انتخاب رئيس للجمهورية ليس لمصلحة لبنان، ولا لمصلحة اللبنانيين. اذا أنجز هذا الاستحقاق الدستوري، فهذا يعني اعطاء جرعة حياة اضافية لملوك الطوائف وملوك المافيات، لاستنزاف ما تبقى من المال العام ومن ودائع الناس. كيف لنا أن نتوقع آداء آخر من أكلة عظام البشر؟

 

شيء من هذا الكلام قالته لي نائبة فرنسية التقيتها منذ اشهر، في الـ Bibliotheque nationale في باريس.

 

“يبدو أن الرئيس ايمانويل ماكرون يعاني من خلل في الرؤية، حين يبذل كل تلك الجهود الشخصية والديبلوماسية، لتعويم ثلة من الساسة بكل مواصفات مصاصي الدماء”.

 

استغربت بقاء طبقة سياسية في مكانها، بالرغم من مسؤوليتها عن خراب الدولة، أو حتى زوال الدولة”. هذا لا يمكن أن يحدث في أي مكان آخر من العالم “أعادت ذلك الى الصيغة العرجاء (الصيغة الطائفية)، في بلد قيّض له أن يكون داخل منطقة، ما زالت عند اجترارها لثقافة الغيب، وهي الوجه الآخر لثقافة العدم”… !

 

في نظر النائبة الفرنسية أن المشكلة ليست أبداً في عدم انتخاب رئيس للجمهورية، بل في انتخاب رئيس للجمهورية الذي اذا لم يكن أحد أركان المنظومة فلا سبيل أمامه، حتى لفتح نافذة غرفة نومه، الا أن يكون رهينة في قبضة هذه المنظومة. ليس بفعل النص الدستوري، وانما بفعل معادلة “الطائفة ـ المافيا”. الكل متواطئون مع عرابي المافيات، لأنهم يقتاتون من فتات موائدهم…

 

ما من أحد من المحللين الاقتصاديين في صحف غربية كبرى، الا ويعتبر أن لا مثيل للبنان في استشراء جائحة الفساد، بعدما تمكن نجوم الطبقة السياسية من غسل أدمغة أبناء الطوائف، ليكون وجود كل طائفة مرتبط بوجود ملك ومالك هذه الطائفة، والا “أكلنا الآخرون”. من هم الآخرون في الحالة الراهنة؟

 

اذا كنا كشعب، أو ما دون الشعب وهذه حالنا، قد بعنا أرواحنا للشيطان، على طريقة فاوست في رائعة غوته، لا تغيير لأننا لا نمتلك أداة التغيير، ولا فلسفة التغيير، ولا رؤيوية التغيير. الدليل ما أنتجته صناديق الاقتراع. من يدعون بـ “نواب التغيير” في أغلبهم ظواهر فولكلورية. انظروا اليهم تحت الكاميرات. بماذا يختلفون عن مغنيات هذا الزمان، وحيث الصوت لا يخرج من الصدر بل من الأرداف ومن الساقين، وربما أبعد من ذلك بكثير…

 

ولكن ألا يقول خبراء في الصندوق (الصندوق الذي نخاف منه كما لو أن سياسات قادتنا ليست أشد هولاً) ان لبنان في حالة “اللادولة”، وأن العودة الى الدولة يفترض اجراء اصلاحات بنيوية في المؤسسة المالية والاقتصادية، دون التطرق الى ما هو أكثر جوهرية، أي الاصلاحات الأخلاقية. ما جدوى النصوص اذا وضعت في أيدي من دفعونا (وما زلنا نهلل لهم) الى أن نحفر قبورنا بأظافرنا؟

 

بالصوت العالي، كلبنانيين خارج التعليب وخارج البرمجة، وخارج الولاء الطوائفي ـ وبالدرجة الأولى خارج العبودية ـ نقول للجنة الخماسية، وهي تدور حول أزماتنا، لا نريد رئيساً للجمهورية لا مهمة له سوى أن يكون حجراً من حجارة هذه المغارة.

 

لا نتصور، ولو تم تصنيع رئيس بمواصفات الأنبياء، أن باستطاعته اخراجنا من جهنم. الجنرال ميشال عون وصل الى القصر على قرع الطبول. كنا من السذاجة بحيث ظننا أننا على وشك الانتقال من منطق اللادولة الى منطق الدولة، ودون أن نلاحظ أنه دخل من الأبواب الخلفية للقصر بعد تلك الصفقات المهينة مع نجوم الطوائف، اياهم عرابو المافيات.

 

حتى الآن، والكل يوغل في لعبة الدهاليز، أو في التراشق بلغة الغربان، من هو المرشح الذي طرح مفهومه (ولا نقول مشروعه) للانتقال من حال الخراب الى حال البناء. الكل دخلوا واحترقوا في تلك اللعبة.

 

حتى الوسطاء، والآن اللجنة الخماسية، لم يتجاوز دورهم مقاربة الأزمات، الأزمات القاتلة برؤوس الأصابع، دون المساعدة على هدم ذلك الواقع الرث، وحيث “التكيّف الخلاق” مع تسونامي الفساد.

 

من مصلحتنا أن يبقى الفراغ على أن نملأ الكرسي الفارغ بطربوش فارغ. يكفي أننا، كلبنانيين لطالما تغنينا بتميزنا، ارتضينا بكامل قوانا العقلية، أن نكون أسوأ بكثير من الطرابيش الفارغة. أطباق فارغة…