أصبح لدينا رئيس، بعد فراغ سنتين ونصف. ظروف إقليمية تدخلت لجعل الرئيس ممكناً بل حاجة. تضافرت هذه الظروف مع حاجة محلية أو لنقل حاجات فئوية وشخصية تضافرت لإنتاج الرئيس العتيد.
أخيراً تم انتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية. ولا يسعنا هنا إلاّ أن نهنئه ونهنئ قسماً أساسياً من اللبنانيين الذين انتظروا هذه الفرحة لمدة طويلة. ما سنذكره، لا يتعمد المس بشعور هؤلاء ولا طبعاً بعون، فنحن لسنا هواة تشاؤم ونحن الذين ننعت دائماً «بالتفاؤل التاريخي». الموضوع ليس تشاؤماً، نحن نقوم بتوصيف الواقع. الواقع أسود ولذلك عندما نعالجه بصدق، حتماً سيقول لنا من «يزغرد» إننا دائمو التشاؤم.
السؤال الموجه لكل اللبنانيين، خصوصا أولئك الذين فرحوا بصدق، عند انتخاب الرئيس الجديد: ألم يكن لنا رؤساء منذ العام 1943 على الأقل؟ ثلاثة عشر رئيساً كان بينهم العديد ممن يمتلكون خطاباً يشبه خطاب العماد عون وتياره، وهم ملأوا خطاب القسم بتعهدات الإصلاح والتغيير، ولعل أبرز هؤلاء الرئيس فؤاد شهاب.
وإلى الرؤساء، نضيف عشرات الحكومات والمجالس النيابية. ما الذي استجد؟ محاصصات وزبائنية وتعبئة مذهبية وطائفية هي السائدة اليوم وللأسف، قسم منها استعمل في همروجة التأييد أو الاعتراض على انتخاب عون. ديون تتراكم على حساب الحقوق الاجتماعية للمواطن وعلى حساب وحدة الوطن وبيئته ومناعته الوطنية. والظروف التي أنتجت الرئيس عون، وبعيداً عن شخصه وتاريخه، هي ذاتها التي أنتجت مَن سبقه وهي نفسها التي تحول عهده إلى ما سبقه.
نعم، سيستمر التآكل والضعف اللذان يطالان جسم وطننا، ويستمر معهما الإفقار والجوع وضرب الحقوق الاجتماعية للمواطن اللبناني، وليس ضرورياً أن ننتظر الرئيس المكلف للحكومة ولا الحكومة المقبلة، فالتركيبة التي ورثت 8 و14 آذار وكل هذا الخليط الهجين لا تبشر إلاّ بمزيد من الانقسام العمودي المعطل لبناء الدولة الوطنية الديموقراطية.
نعم أصبح لنا رئيس، ولكن لن يكون لنا وطن. في ظل هذا النظام الطائفي الذي سيكون تجديده ثمرة المساومات التي انتجت هذا الرئيس وذلك عبر ضرب منطق التغيير الحقيقي.
منطق التغيير الذي لا يمكن أن يبدأ إلاَ بتزامن مسارَين: الأول، الذي يبدأ بقانون انتخاب لا طائفي، على قاعدة النسبية والدائرة الواحدة. هذا القانون يؤسس لبناء وطن حقيقي. والأهم فيه، ليس التمثيل الصحيح الذي هو حق لكل اللبنانيين، بل ما يؤسس من شروط الانتماء الوطني على حساب ما هو سائد من انتماءات لا وطنية.
ولا بد أيضاً من قانون جديد للأحزاب. الجميع يقول إن الطائفية هي علّة الوطن وهي علّة اختارتها البرجوازية لحكم لبنان بالتوافق مع الاستعمار الأوروبي. فإذا كانت الطائفية هي العلة، فهل يمكن إلغاؤها من داخلها ومن قوى تستقوي بها وتؤسس عليها أحزابها وقياداتها. نعم نحن بحاجة لقانون أحزاب يشترط التكوين الوطني كأساس في وجود أي حزب.
ولأن هذا المسار، ينقض المسار الذي أسسته البرجوازية اللبنانية بتبعيتها للاستعمار، فنحن على ثقة بأن المسار الآخر، لا يمكن أن يكون إلاّ جزءاً من مشروع الفقراء، من عمال وموظفين ومتضررين من حكم البرجوازية، ما يجعل المسار الأول متلازماً مع المسار الثاني، المرتكز على الحراك الشعبي والنقابي لانتزاع مطالب الفقراء وحقهم في العمل والحماية الاجتماعية والتربية والسكن. أي أنه مسار يفرض في نهايته سياسة اقتصادية اجتماعية بديلة، قائمة على التوازن بين الاقتصاد المنتج والعدالة الاجتماعية.
ليس اتهاماً للقوى التي شكّلت التجمعات الطائفية، الحاكمة منها أو المتسلقة قطار المعارضة كحالة انتقالية، وهو نفسه واقع الانقسام بين الكتلويين والدستوريين وبعد ذلك النهج والحلف وصولاً لـ 8 و 14 آذار. كل هذه الانقسامات من «الميثاق» حتى الطائف هي محاولات لتجديد النظام، وكلّفت شعبنا عشرات الآلاف من الضحايا والجرحى وملايين الشباب المهاجرين.
إن من يفرض التغيير، والصادق في حمل رايته، هم الذين يحملون الهمَّين المتلازمَين: المقاومون من أجل تحرير الوطن وحمايته وحماية ثرواته من العدو الصهيوني وكذلك المقاومون للأرهاب والمدافعون عن لقمة عيش المواطن وحقوقه. هولاء يجسدون مشروع الإنقاذ الوطني وفي صلبه إلغاء الطائفية كأداة سياسية واجتماعية للبرجوازية اللبنانية.
بذلك نتابع الدرب الطويل والشاق باتجاه تغيير حقيقي، باتجاه الدولة العلمانية الديموقراطية المقاومة، المنخرطة هي الأخرى في إطار عربي موحد ديموقراطي علماني مقاوم.
(]) الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني