IMLebanon

وعندنا مثلك كثيرون يا “سِنيور داسيلفا”

نشَر القاضي البرازيلي سيرجيو مورو مهاتفةً بين الرئيسة ديلما روسيف والرئيس السابق لولا داسيلـﭭـا، وعَدَتْهُ فيها روسيف بـحمايته من توقيفه في فضيحة شركة النفط “ﭘــتروبراس” بأَن تعيّنه “رئيس البيت المدني” (بمثابة رئيس الديوان، وهو أَعلى منصب في الحكومة) ما يعزز وضْع روسّيف التي يسائلها مجلس النواب البرازيلي بتهمة الفساد، وما ينقذ داسيلـﭭـا الذي، بتعيـينه وزيـرًا، لا يعود يُستدعى للمثول أَمام المحكمة العليا التي رفضت طعنًا بـوقْف التصويت على فتح تحقيقٍ مع رئيسة البلاد التي اتهمَت المعارضة بأَنها تُعِدُّ انقلابًا دستوريًّا للاطاحة بها. وأَكّدت المحكمة أَن خطوة الـﭙــرلمان هي من صميم الدستور.

هكذا إِذًا: تخضع الحكومةُ للدستور، والمساءَلةُ للدستور، والعدالةُ للدستور، ويبقى الدستور هو “الكتاب” (بتعبير الرئيس فؤَاد شهاب)، ولا قراءة إِلّا فيه لتسيير شؤُون الدولة وما فيها، ومحاسبة كل مَن فيها.

في كل دولةٍ فسادٌ. إِنما الأَقوى من الفساد: المحاسبة.

هكذا تكون الدولة دولةً يحاسِب فيها القضاءُ كبار المسؤُولين أَيًّا كانوا، ويخضع ممثلو الشعب لإِرادة الشعب لا لإِرادة طوائفهم وكُـتَـلهم وتكتُّلاتهم. هكذا تكون الدولةُ التي تحترم مواطنيها ولا يكون فيها مقاطعجيُّون سياسيون وارثون مُوَرِّثون يتقاسمون البلد مقاطعاتٍ ومزارعَ لهم يحكمونها بلا محاسبة، فكل مقاطعة في البلاد “تخص” زعيمًا تتْبع له، تنصاع له، تأْتمر بأَوامره، تنقاد لـمواقفه، وتنتمي إِليه وراثــيًّا.

وهكذا تكونُ دولةٌ لا يحمي فيها المخالفين سياسيون فوق القانون يرفضون تسليم المجرمين إِلى العدالة.

دولةٌ يستقيل فيها المسؤُول حين يَرتكب موبقةً أَو يكون مسؤُولًا عن وقوع كارثة.

دولةٌ فيها شعبٌ يظلُّ ينتفض ضدّ المسؤُول حتى يسقط، لا نعاجٌ وخرفانٌ يُـهَيِّصون ببغائيًّا “بالروح بالدم…” ولو سال دمُهم من أَجل المسؤُول.

دولةٌ يكون فيها السياسيون في خدمة الشعب، لا الشعب في خدمة السياسيين.

دولةٌ يسري فيها القانون على الجميع بدءًا من كبار المسؤُولين فلا يغطّي أَحدٌ أَحدًا، ويكون العدلُ هو الحَكَم، والقضاءُ هو الوازع، والدستور هو المرجع الوحيد غير الـمطواع استنسابـيًّا على قياس زعماء العشيرة.

دولةٌ لا يكون فيها الحُكْم كيديًّا ولا تعطيليًّا ولا معَطَّلًا بِــعناد “أَنا أَو لا أَحد”.

دولةٌ يعمل أَرَكانها لصالح شعبهم غير منتظرين وضعًا إِقليميًّا ولا أَمرًا خارجيًّا.

المفارقة الطريفة أَنّ البرازيلي لُولا، المتَّهم اليوم بالفساد الفاضح الـمُوَثَّق، كان هو ذاته في حملته الانتخابية سنة 1998 قال: “عندنا في البرازيل، إِذا سَرق الفقيرُ يساقُ إِلى السجن، وإِذا سَرَق الغني يصبح وزيرًا”.

… وعندنا من أَمثالك كثيرون، يا “سِنيور داسيلـﭭـا”.