لعل الأهم في حدث الانتخابات التركية الأخيرة، هو بدء انهيار حصنٍ هام من حصون الهجمة المضادّة على شعوبنا العربية وانتفاضاتها. فبعد الانهيار السريع لحكم مرسي وحركة النهضة تباعاً في كل مِن مصر وتونس ومأزق الفريق السابق في قطر، والمعاناة التي تعيشها العائلة المالكة السعودية، خصوصاً بعد عدوانها المجرم على الشعب اليمني، يأتي دور رجب طيب اردوغان وحزبه المنتمي إلى ما أسماه «اوباما» في تحديده لتحالفاته الشرق أوسطية بـ «الإسلام المعتدل».
أما في الشأن السوري، وبغض النظر عن التمنيات، فلا بد من الاعتراف بأن التوازن العسكري الموجود بين النظام وحلفائه من جهة، وبين القوى المسلحة المعارضة من جهة ثانية، خصوصاً الإرهابية المدعومة أميركياً وغربياً وخليجياً وتركياً هو توازن مدمّر حتى الآن ولا يشير بحسم الصراع العسكري لأي طرف من الأطراف، ويُنذر بمزيد من الدمار والضحايا المدنيين، بما ينذر بتكرار مأساة العراق وتجربته ويطرح مزيداً من الاحتمالات الخطيرة على الوضع السوري وتالياً العربي وتحديداً اللبناني.
إن استمرار النظام السوري والمعارضة الديموقراطية السورية في المراهنة على الخارج لخلق موازين قوى جديدة، مع استمرار المعارضة المسلحة بالارتهان للقرار والمشروع الاميركي ـ الخليجي سيدفع سوريا الى خيارات صعبة وخطيرة، وهذه الخيارات بدأت تطرح بشكل او بآخر في عدد من المحادثات الدولية. وهي تتراوح ما بين التقسيم الواضح (العودة الى الخارطة الفرنسية التي دفع الشعب السوري المئات من الشهداء من أجل إسقاطها)، او الى توازن دولي (وليس داخلي) يدفع باتجاه حل على طريقة الطائف اللبناني، يقسم النفوذ والصلاحيات على الطوائف ومنها الرئاسات الثلاث والأخطر حالة التفتيت والتآكل، ما يفسح المجال أمام إنشاء دويلات وإمارات طائفية ومذهبية وعرقية.
إننا نرى أن الوقت قد حان لطرح مهمة بناء «الجبهة الوطنية للمواجهة» التي تستنفر طاقات سوريا الكبيرة، وهي مهمة تتقاطع فيها الدولة مع قوى المعارضة الوطنية ويهدف للحفاظ على سوريا ووحدة أراضيها ودولتها وجيشها على قاعدة التغيير الديموقراطي والعدالة ومواجهة الفساد والإرهاب والتدخل الخارجي.
إن غياب العمل الموحّد والفاعل لليسار السوري، في الدولة وخارجها، هو أحد موانع قيام مثل هذه الجبهة. ولذلك، فإننا من موقعنا سنبقى نعمل من أجل لقاء لقوى اليسار على قاعدة المواجهة يشكل جسراً لبناء جبهة المواجهة الديموقراطية الواسعة.
&&&
لقد شهدنا في الأيام الماضية وتعليقاً على صورة لشباب من الحزب الشيوعي اللبناني كانوا يحملون السلاح في منطقة البقاع الشمالي، استغراباً اختلط باتهامات ومحاولة تشويه مواقف الحزب.
إن موقف الحزب الشيوعي حيال الخطر الإرهابي (اليوم في البقاع وغداً ربما في غير منطقة لبنانية) يجد جذوره مع نشأة الحزب وتكوّنه كحزب وطني مقاوم من اجل الارض والشعب.
إن الخطر الإرهابي على قرانا وأهلنا يعادل الخطر الصهيوني الذي واجهناه، يوم كنا في كامل قوتنا، وحين أصبحنا في الموقع المحاصر. ولذلك وبعيداً عن تلك الصورة، نعم، كما دعونا وندعو لمواجهة الصهاينة، نحن دعونا رفاقنا للانخراط بكل أشكال الدفاع عن القرى والأهالي خلف الجيش اللبناني ومعه ومع كل القوى المستعدة للمواجهة وبشكل خاص مع الأهالي.
أما كيف نؤمّن السلاح وكيف ندرّب وكيف نستعدّ، فهذا لا شأن لأيّ كان به. المهم أننا نستعدّ من دون ارتهان ومن دون التحاق بأي مشروع غير المشروع الوطني الديموقراطي. وبذلك أيضاً سعينا ونسعى لانخراط رفاقنا في عملية تأمين التواصل بين الأهالي في كل قرى المنطقة، ومنع اللعب على الوتر المذهبي وحشد كل إمكانيات الصمود الشعبي وذلك لكوننا القوة الأبرز القادرة على نسج هذا التواصل وهذا الإطار.
إن واجبنا ودورنا يفرضان علينا أخذ هذا الموقع والموقف، ولغيرنا الاستغراب، فنحن دعونا وندعو للمواجهة وللدفاع عن حدودنا وأهلنا، وكل تاريخنا وحاضرنا يثبت أننا حزب ديموقراطي وطنيّ ومستقل لا يخجل بالتقاطع حول قضية مواجهة الخطر الخارجي، وغير قابل للابتلاع.
(&) الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني