لا غرابة…
حين تكون النصوص المقدسة، التي نزلت علينا من اعلى مكان في السماء، على ذلك النحو من الالتباس، وتحتاج الى التأويل. كيف لا تكون النصوص البشرية، التي نزلت علينا من اعلى مكان في الارض، على ذلك النحو من الالتباس، وتحتاج الى التأويل؟
الازمة في سوريا حمالة اوجه. لا بد للتسوية ان تكون حمّالة اوجه. اذاً، هو الدخول الاخر في المتاهة اللغوية، والسياسية. كانت سوريا آنية من الكريستال وتحطمت. من يستطيع لملمة الشظايا؟ خالد خوجة الذي نصفه الاول عثماني ونصفه الاخر (الاخر جدا) سوري، ام رياض حجاب الذي كان جزءا من النظام، ويأكل الاخضر واليابس. قيل لنا انه انشق لان احدهم وصفه باللوح الخشبي وله شاربان. ما هو ثمن هذين الشاربين في المزاد العلني القائم الآن؟
ما جرى في المداولات وراء الضوء ان ما يبتغيه الاتراك والاسرائيليون، وحتى الاميركيون وبعض العرب،تفكيك الجيش السوري بعد ما فشلت كل محاولات اختراقه وتهديمه من الداخل، او محاولات حثه على الانقلاب الذي يعني نشوب حرب اهلية داخل المؤسسة العسكرية..
هذا ليس جيش النظام والا كان سقط من اللحظة الاولى، الوهلة الاولى. هو جيش الدولة الذي واجه ما لم يواجهه اي جيش في العالم. اكثر من 1200فصيل ومبرمج تبعا للحسابات الاقليمية و الدولية، واكثر من 100 الف مقاتل، غالبا بمخصصات مالية خيالية. كل هؤلاء فتحوا مئات الجبهات، وحاصروا المواقع العسكرية، والمدن، والقرى، من كل حدب وصوب. لم يتمكنوا من ازالة الجيش من الوجود. دباباته في دير الزور، مثلما هي في دمشق وفي حلب وفي درعا وفي القامشلي وفي اي مكان آخر…
ما يقوله المنظّرون الاستراتيجيون في الولايات المتحدة ان سوريا لا يمكن ان تبقى كما هي. ثمة انهار من الدم غطت المشهد من ادناه الى اقصاه. الاتراك والاسرائيليون الذين يستعيدون، في العلن والخفاء، العلاقات الاستراتيجية، ما زالوا عند رهانهم القديم: كوندومينيوم تركي- اسرائيلي لادارة سوريا او لادارة الشظايا الطائفية، والاتنية، والمناطقية، هناك…
علينا ان نتصور اي حجة كاريكاتورية يلجأ اليها رجب طيب اردوغان حين يقول ان تدخله في سوريا لانقاذ «الجالية» التركمانية. من كان يشعر او يستشعر ان ثمة مشكلة تركمانية في سوريا التي وصل فيها التركمان الى اعلى المناصب. قضينا اربعة قرون تحت النير العثماني ونعلم كيف ينفخ العثمانيون القدامى، والعثمانيون الجدد، في الصدور…
قال لي صديق دمشقي مرهف هو «بستان من الياسمين واجتاحته ثيران هوجاء». القرار 2454 على الورق. لا مجال لينتقل في المدى المنظور الى الارض. ألم يقل ستيفان دوميستورا، وهو من بلاد دانتي، للاخضر الابراهيمي ان ازمات الشرق الاوسط اشبه ما تكون بـ«الكوميديا الالهية». رد عليه الديبلوماسي الجزائري المخضرم « بل هي اشبه ما تكون… بالتراجيديا الالهية».
الصحافي الاميركي جيفري غولدبرغ سأل ما اذا كان القرار خارطة طريق الى التسوية ام الى حرب اخرى، او الى حروب اخرى. لاحظ ان «ذلك النص الفضفاض يتسع لكل اشكال التفسيرات». هو مجرد سيناريو مسرحي لاعادة ترتيب قواعد اللعبة ليس في الشرق الاوسط فحسب، وانما في كل مكان آخر تصطدم فيه المصالح الاميركية مع المصالح الروسية وربما المصالح الصينية…
الآن، من اين الدخول في النص. سألنا ديبلوماسيا روسيا عن سبب تشدد بلاده في مواجهة تركيا من اجل قاذفة سوخوي. كان رده «حتى الولايات المتحدة لم تتمكن من اقناع اردوغان باقفال حدوده، وهي الخطوة التي تفضي الى اقفال نصف الازمة السورية على الاقل. نحن نريد ان نقول للرئيس التركي اننا نريد اقفالها بالقوة».
الديبلوماسي اضاف «حتى معادلة اللاغالب و اللامغلوب، وانتم اللبنانيون بارعون في تسويقها، تحتاج الى غالب و مغلوب ليغدو تطبيقها ممكناً».
اكد ان الاستخبارات التركية التي نسقت مع تنظيم الدولة الاسلامية الى ابعد الحدود، تحاول الان، وبترتيب تكتيكي، الحاق مجموعات من التنظيم بفصائل اخرى تم تصنيفها بالمعتدلة.
وصف المحاولة بأنها على مستوى عال من السذاجة. لم تعد هناك من اوراق مستورة لا على الارض ولا على الطاولة. المشكلة ان اردوغان يرى في تقويض «داعش» و«النصرة» تقويضا لاحلامه في السلطنة او حتى في الميني سلطنة.
هكذا سيظل يلعب على حافة الهاوية. معه بعض العرب الذين يعتقدون ان زوال تنظيمات ما قبل العصر الحجري يعني تعويم النظام الذي اذا ما سقط رأسه سقط بقضه و قضيضه.ماذا يفعلون في الخفاء؟
قتلناه…
قتلناه…
ليس لكوننا شظايا بشرية ومبعثرة على ارصفة القرن، وليس لاننا تائهون، مسعورون، بين ثقافة الغيب و ثقافة الغيبوبة، وليس لان بعض التعازي صيغت بطريقة السكين في الصدر. اولئك الذين اغاظهم ان سمير القنطار عقد العزم، ومنذ الطفولة، ان يكون البطل لا الراقص ولا المهرج ولا البهلوان..
قتلناه لان هناك بيننا من قال للقتلة «انه هنا». مضحك جدا ان نسأل «واين الـ إس-400؟»، وان نتحدث عن التنسيق بين روسيا و اسرائيل. دائما نهرب في الاتجاه الاخر. على هذه الخشبة العربية البالية لا مكان للابطال (لهذا النوع من الابطال). المكان فقط للمرتزقة، لمرتزقة الارض، ولمرتزقة الدم….
قتلناه…
لا تظنوا اننا لم نصنع ذلك العميل او اولئك العملاء بأيدينا. ثمة من اعاد، وبتلك الطريقة البلهاء، ترتيب لائحة الاعداء. لا، لا، اسرائيل سقطت من زمان، وزمان، من اللائحة لكي تبقى على قيد الحياة انظمة ما قبل التاريخ، وايديولوجيات ما قبل التاريخ، ونكاد نقول… ما قبل الله!
هل لاحظتم يهوديا واحدا يعمل لحساب اي جهاز استخبارات عربي؟ جوناثان بولارد، الاميركي اليهودي الذي يعلم تماما ما تقدمه الولايات المتحدة لاسرائيل، خان بلاده ليضع وثائقه بين يدي الموساد…
لن ننسى كيف ان المؤسسة اليهودية كانت وراء جوليوس روزنبرغ وزوجته ايتل في نقل اسرار القنبلة النووية من واشنطن الى موسكو ليس حباً بجوزف ستالين وانما للعب بين القطبين على ذلك المسرح الذي يدعى الكرة الارضية…
الم تتردد المعلومات التي تقول ان الاميركي اليهودي صمويل كوهين، مخترع القنبلة النيوترونية التي تدمر «الموجودات البشرية» دون الموجودات الاخرى، سرّب المعادلة الى تل ابيب قبل ان تصل الى البيت الابيض؟
ازمة امة، وازمة عقل، وازمة ضمير، وازمة قلب، وازمة وجود. كيف لاحدهم ان يكون عربيا و يكون… موجودا.
قتلناه لانه البطل، ولان في دمه تراب الجولان، مثلما هو تراب الجبل، وتراب الجليل. يا صديقنا العزيز، هذا زمان لا مكان فيه سوى للراقص ، والمهرج، والبهلوان!