حسنا فعل “تيار المستقبل” باخراج النائب خالد الضاهر من صفوف كتلته النيابية بعدما امعن الاخير في طائفيته ومذهبيته وتحريضه الرخيص، الذي يتناقض مع مسار التيار الازرق ومسيرته، منذ الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي يحيي لبنان اليوم ذكرى غيابه العاشرة، ذاك الغياب المدوي لمن عرفه واحبه، او لمن لم يوافقه في سياساته، وعارضه، واحيانا كثيرة ابتزه. مفاعيل الاغتيال كانت مدوية على كل الصعد، واثبتت ان الرجل كان اكبر من البلد وحساباته الصغيرة ومن توقعات المجرمين القتلة، ومسيرته تستمر بقرارات ومواقف غير شعبية غالبا، يتخذها نجله ليثبت ان ما عمل له الوالد لم ينقطع في 14 شباط 2005 رغم كل الخضات والارباكات والارتكابات التي واكبت الاعوام العشرة الماضية.
لا حاجة لاقناع من احب الحريري وايده بصواب خياراته، فبعض هؤلاء اقتنع بالمشروع حتى الامتلاء، وبعضهم لم يشغل العقل، بل انطلق من عاطفة او من انتماء سياسي او مناطقي او طائفي، والبعض الاخر من مصالح تجارية ومالية نفعية. لكن الاسئلة الصعبة توجه الى الذين عارضوا الحريري بشراسة، وكالوا له التهم، وخططوا له المكائد، واستقووا عليه بالسوريين، عن الخطط البديلة التي قامت بها حكومات من غير الحريري الاب، والحريري الابن، وعن السياسات الداخلية والخارجية التي اعتمدت وتعتمد لتحصين البلد، سياسيا وامنيا وماليا، وتنفيذ مشاريع عمرانية، وبناء الجسور، وشق اوتوسترادات، وزيادة المداخيل، وسد العجز، وسداد الديون.
لقد افتقد لبنان باستشهاد الرئيس رفيق الحريري كل رؤية عمرانية مستقبلية، بل ان معظم المرافق الخدماتية تراجعت، وافتقد كل اطلالة فعلية ومجدية على العالم، وصارت هوية لبنان تحدد بمعيار المقاومة، وهو معيار مهم في تصنيف الشعوب، لكنه ليس المعيار الوحيد للقياس، اذ انه جزء من الحرب التي تدمر الاقتصادات، وتقتل الشعوب ايضا. واذا كانت المقاومة جدية في ما تقوم به، وهي تدفع الاثمان من ارواح ابنائها، فان البلد كله يدفع ايضا، وقد بلغ اقتصاده حدوده الدنيا في النمو، وتراجعت حركة السياحة والمؤتمرات، وازدادت التوترات الداخلية وتضاعف الاحتقان المذهبي، وهذه كلها امور لا تفيد في جعل البلد مقاوماً، اذ لا يمكن لشعب ان يقاوم وهو جائع ومقهور، ولا كرامة له في بلده. ولا يمكن لبلد يدمر من اعتداءات العدو، ان يعاد اعماره بالمقاومة العسكرية، بل يحتاج الى مال وفير من المساعدات الخارجية، وهذه قد لا تتوافر في كل حين، وهي نوع من المقاومة الاقتصادية والمالية وعماد الاستمرار والصمود، وهذا النوع من المقاومة كان في صلب عمل الحريري الاب.
بغياب رفيق الحريري، سواء احببته ام لا، افتقدت الرؤية الى دور البلد، فلا هو صناعي، ولا زراعي، والواضح انه لم يعد سياحيا، ولا جامعيا، ولا استشفائيا ولا… فهل فقد لبنان دوره؟ سؤال صعب، والاصعب منه الجواب، او اللاجواب.