Site icon IMLebanon

علينا العمل من دون تعب لمواجهة الإرهاب

 

تبقى آثار أعمال الإرهاب ملازمة لنا، فبعد الهجمات المقيتة والحقيرة التي ارتكبها متطرفون يسعون لفرض آيديولوجيتهم على آخرين من خلال القوة، يجب أن نوفر وقتاً لإحياء ذكرى من فقدنا اليوم، تحديداً الذي يوافق اليوم العالمي للذكرى وضحايا الإرهاب.

لا نزال نتذكر المسلمين الأبرياء الذين تعرضوا لهجوم أثناء خروجهم من مسجد فنسبري بارك (في لندن) بسبب دينهم، ونتذكر لي رغبي الذي تعرض للاستهداف فقط لمجرد أنه يخدم وطنه، وكذلك إغناسيو إتشيفيرا الذي لقي مصرعه أثناء محاولته وقف منفذي هجوم جسر لندن، بينما لم يكن يملك سلاحاً سوى لوح تزلج. ونتذكر كذلك الشباب الذين سقطوا في مانشستر الذين قتلوا أثناء حضورهم حفلاً موسيقياً. نتذكر جميع الذين تعرضوا لهجمات إرهابية داخل المملكة المتحدة في السنوات الأخيرة.

وبالطبع، تتكرر هذه المآسي الشخصية عبر أرجاء العالم، من جسر ويستمنستر إلى باريس إلى كابلن ومن بنغازي إلى كريست تشرش.

والملاحظ أن مصدر التهديد العالمي الأكبر في السنوات الأخيرة، تنظيم «داعش»، يتحمل المسؤولية عن قدر لا يمكن تخيله من المعاناة والألم. وخلفت وحشية «داعش» المروعة في العراق وغيره أعداداً لا حصر لها من القتلى، وكثيرين بإصابات دائمة، بدنية ونفسية. وتسبب «داعش» في تمزيق مجتمعات واستعباد الآلاف من الأفراد وترك أطفال لا حصر لهم يتامى.

وبفضل جهود المملكة المتحدة وشركائها الدوليين من خلال التحالف العالمي ضد «داعش»، والتضحيات الأخرى التي قدمتها قوات الأمن العراقية و«قوات سوريا الديمقراطية» على الأرض، حرم «داعش» في مارس (آذار) من هذا العام من المساحات الواسعة التي كان يسيطر عليها من قبل.

لكن المعاناة التي سببها التنظيم لم تنتهِ، ولا تزال آيديولوجيته المسمومة على قيد الحياة. واليوم، يوجد 1.6 مليون نسمة في الأراضي المحررة شمال شرقي سوريا بحاجة إلى المساعدة. وفي العراق، لا يزال نحو 5 في المائة من السكان مشردين. كما أن المتفجرات التي خلفها التنظيم وراءه ما تزال تحصد أرواح الأبرياء وتبطئ وتيرة العمل المهم الجاري على صعيد إعادة بناء مستشفيات ومدارس ومرافق حيوية أخرى. واللافت أن فلول «داعش» وبقاياها لجأت حالياً إلى تكتيكات التمرد عبر العراق وسوريا، ومن هناك تهدِّدُ بشن مزيد من الهجمات عبر أرجاء العالم.

ولا يقتصر تهديد الإرهاب على المتطرفين، وإنما رأينا هجمات إرهابية بمختلف أرجاء العالم هذا العام ينفذها متطرفون يمينيون ومتشددون إسلامويون على حد سواء. وشاهدنا جميعاً إرهابيين يعتنقون آيديولوجيات مختلفة يرتكبون الأعمال العنيفة عديمة الرحمة في نيوزيلندا وسريلانكا وإل باسو. ومن خلال تلك الهجمات، سعى المهاجمون حثيثاً لتخليد أسمائهم عبر أعمالهم القميئة. ومع هذا، فإنه مع احتشاد الناس حول العالم في تضامن مهيب بعد الهجمات، اخترنا بدلاً من تخليد القتلة، منح الخلود إلى الضحايا الأبرياء.

وفي يوم إحياء الذكرى هذا، يجب أن نتذكر أننا لا نقف بلا حول ولا قوة أمام الإرهاب، وإنما كحكومات يتمثل التقدير الأكبر الذي يمكننا تقديمه لمن عانوا على أيدي المتطرفين، في العمل بلا كلل ولا ملل للحيلولة دون ظهور ضحايا جدد في المستقبل، ومعاونة عائلات الضحايا على إعادة بناء حياتها، ومعاونة المجتمعات على التعافي ورفض الآيديولوجيات المغذية للتطرف.

اليوم، يعكف 400 جندي بريطاني على تدريب قوات الأمن العراقية، وجرى بالفعل الانتهاء من تدريب ما يزيد على 94 ألف جندي عراقي وأصبحوا على أهبة الاستعداد للدفاع عن إخوانهم المواطنين. وأسهمت مساعدات قدمتها المملكة المتحدة في تطهير 663 موقعاً من مواد متفجرة خطرة، والتي يمكن أن تصبح اليوم مدارس أو شركات أو مستشفيات أو منازل أو مراكز اجتماعية. كما تدعم الأمم المتحدة آليات المحاسبة التابعة للأمم المتحدة لجمع أدلة على جرائم «داعش»، والمعاونة في تقديم المسؤولين عنها إلى العدالة. كما نتولى كذلك قيادة جهود دولية ترمي لتقليص قدرة «داعش» على استخدام دعاياته في تجنيد أنصار والتحريض على مزيد من الهجمات.

ويجب ألا ننسى ضحايا «داعش» الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وبعيداً من مصادر رزقهم والذين ما يزال بإمكاننا دعمهم. ومن خلال مؤسسة «يو كيه إيد» قدمنا الطعام ووفَّرنا معدات لتوفير ملاذات لمئات الآلاف من العراقيين ووفَّرنا الرعاية الصحية لأربعة ملايين عراقي، بجانب توفير مياه صالحة للشرب ومرافق صحية لمليونين.

في يوم الذكرى وضحايا الإرهاب، نتذكر من بترت حياتهم فجأة. وننظر بيقظة في الوقت ذاته نحو التهديد الذي نواجهه في أي مكان بالعالم. وينبغي أن نذكر أنفسنا بأننا صامدون. ومن حزننا الجمعي، يمكننا إعادة بناء مجتمعاتنا لتصبح أقوى وأكثر تناغماً. واليوم تحديداً من بين كل الأيام، نتعهد بأن تمضي المملكة المتحدة قدماً في فعل كل ما بوسعها والتعاون مع الشركاء والمنظومة الدولية لإبقاء جميع مجتمعاتنا بمأمن من الإرهاب.

* وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

* خاص بـ«الشرق الأوسط»