إضحكوا علينا… على عقولنا إضحكوا، وعلى ذكائنا، وعلى كلِّ حاسة من الحواس الخمس فينا.
إضحكوا علينا وقهقهوا، نحن الشعب الغافل، والجمهور الخامل، والرأي العام الغبي الذي يصفه الشيخ سعيد تقي الدين «بالبَغْل».
إستمروا باستغلال هذا «البَغْل» وتنافسوا في الركوب على ظهره، والْسَعوهُ بالسوط إنْ تلكَّأَ عن حمل أَجسادكم المتورمة، وقد انتفَخَتْ بطونكم بالسمنة وتمزَّق حولها الزنّار.
إضحكوا على الشعب الذي يبكي، وسيروا خلف الجنازات وسجلوا أسماءَكم من أهل الفقيد على أوراق النعي الى جانب إسم الدولة والسلطة والدستور والقوانين والمؤسسات وصفّقوا خلف المآتم، من دون أن يتقطَّب لكُمْ جبينٌ، أو تَذْرِفَ عيونُكم قطرةَ دمعٍ أمام تراكم الجثث.
أنتم يا هؤلاء ملوك الشطرنج: الفوز دائماً لكم والموت دائماً لنا، أنتم السلطة القدَرَية التي فوق، باسمها تحكمون بالباطل، وباسمها تلفِّقون لكل استحقاق ذريعة، ولكل واجب مخرجاً، ولكل رواية إخراجاً وتسوِّقون بضائعكم الزائفة على ظهر «البَغْل».
ألم تكن هكذا، الإستحقاقات النيابية الممددة، والإنتخابات الرئاسية المعطّلة، والإستشارات الحكومية الفارغة، والإنتخابات الفرعية المغدورة، وقانون الضرائب في سلسلة الرتب والرواتب، مثلما كان قانون الإنتخابات الذي تمخَّضت به العاقر على مدى تسع سنين، ومع أنه مولود مخنَّث فإنّ له الحق الإلهي في وراثة المملكة.
هذا المولود المشوَّه على ما فيه من عاهات تشتدُّ حوله النزاعات بهدف اغتياله في المهد: مِنْ مُماحكةِ تقديم موعد الإنتخابات، الى التسجيل الإنتخابي المسبق، الى قطع الطريق على العملية الإصلاحية، الى البطاقة الإنتخابية، الى الهوية البيومترية، الى تفخيخ تلزيمها بالتراضي، كمثل البواخر المكهربة بالتراضي، وصياح الديوك بالتراضي على المزابل من قبل.
وحتى موعد الإنتخابات يكون الخيال الروائي قد ابتدع ألف ليلة وليلة من دون أن تَلِدَ شهرزاد مولوداً معافى لشهريار الملك.
الذين طرحوا البطاقات الإنتخابية في المزاد العلني الوهمي، كانوا يعلمون جيداً أن نفقاتها الخيالية تفوق طاقة الخزينة المسلوبة، وأن تنفيذها يفوق طاقة وزارة الداخلية وقدرة طاقمها، وأن البطاقة الممغنطة التي كانت الذريعة المختلقة للتمديد النيابي الثالث، قد تكون هي الذريعة الثانية للتمديد الرابع، أو لإطاحة قانون الإنتخابات، لأن هذا القانون لم يكن الطعم الذي يشتهيه السمك، بل قد يكون السّم الذي يأكله طابخُه.
وفوق هذا السيل من التعقيدات برزت حركة الإنقلابات على الذات، وزيارات الحج الى البيت الحرام، والإنقسامات حول سلسلة الجبال الشرقية بين لبنان وسوريا.
وفي ظلِّ هذه المواقف الصاخبة والمتضاربة، وسلسلة الفضائح التي تُرتكب مع الركوب على ظهر الرأي العام «البغل»، فلا أمل يرجى بأي إصلاح أو تغيير، إلاّ أن يتمرَّد هذا الرأي العام على وظيفة «الإستبغال» وأن يلبط الذين يركبون على ظهره.