ذكّرتني «وحله» هذه الانتخابات بقول مأثور لرئيس الحكومة الاسبق سليم الحص اكد فيه ان «في لبنان كثيراً من الحرية وقليلاً من الديموقراطية».
يعتز اللبنانيون انهم يعيشون في «نظام برلماني ديموقراطي»… وقد اثبتت الوقائع، على اقله منذ بداية الوصاية السورية علينا، ان هذا النظام البرلماني الديموقراطي، غير موجود سوى في النصوص، ومن يتابع «نشاط» البرلمان او يعود الى الارشيف، يلمس عقم هذا النظام وتعاسته، اداء وتشريعاً وممارسة وحضوراً، وانتاجا، ويعرف ان البرلمان لم يكن يوماً حراً، بل كان مقيداً اما بوصاية خارجية، واما بقوة داخلية، واما بالاثنين معاً، وحتى لا نعود كثيراً الى الوراء الذي لا يشرف اللبنانيين ولا لبنان، تعالوا الى هذه الايام، الى بداية الغرق في ما يسمى بالانتخابات النيابية، منذ مهزلة «التفتيش عن قانون انتخابات عصري وعادل ومتوازن» ليحل محل قانون الستين الهرم، الى العثور على كنز النسبية الذي سيعيد الى الحياة السياسية حقيقتها ورونقها، فلا نرى سوى وجهاً قبيحاً يعبر لبنان من اقصاه الى اقصاه، مروراً بمجلس النواب ومجلس الوزراء في همروجة وقحة من الردح والشتائم والاتهامات والكمائن واساليب البيع والشراء والضغط والاغراء و«سرقة» المرشحين واستعمال جميع الاسلحة المشروعة وغير المشروعة، باستثناء قلة من المسؤولين والمرشحين بقيت بعيدة عن هذا البازار الذي تغلب عليه الحرية السوداء، وتقل فيه الديموقراطية البيضاء.
كان يكفي انعقاد مجلس النواب «ليكتمل النقل بالزعرور» حيث تم نشر غسيل الحكومة الوسخ على صنوبر بيروت، من النواب الموالين ومن المعارضين اتهامات من «فج وغميق» تنهال على الوزراء، في الماء والكهرباء والهدر والتوظيف العشوائي الممنوع، والانفاق غير المبرر، واستغلال الوظيفة، والصفقات وزيادة الدين العام، والدولة المفلسة، كل هذه الاتهامات وغيرها كانت بالنسبة الى الحكومة والوزراء، صرخة في واد، او «معليش الدني عم تشتي». اسئلة واتهامات والمواطن عليه ان يستنتج بنفسه من هو المسؤول عن الارتكابات، لان لا جواب واضح وصريح يدل على المرتكب، وكأن الجميع في مكان ما «شركة حلبية».
***
بالعودة الى «مسيرة» الانتخابات، يقع لبنان مرة جديدة في خطأ ديموقراطي فاضح، وهو عدم تشكيل حكومة انتخابات من غير المرشحين، لان استغلال العديد من الوزراء وجودهم في الحكومة، لتسخير وزاراتهم في حملاتهم الانتخابية يتناقض مع الديموقراطية والدستور والقانون، لان المرشحين غير الوزراء حرموا من هذه الافضلية، واذا كان البعض يقول ان دولاً عدة في الغرب تجري انتخاباتها بوجود رئيس حكومة ووزراء مرشحين، نقول لهم انتم تتكلمون عن دول ديموقراطية بالفعل وليس بالنصّ، كما ان «العراضات» والمسيرات الاستفرازية بالشعارات والهتافات واحيانا باطلاق الرصاص، ليست من اقارب الديموقراطية والقانون، ومع ذلك لا تتدخل الحكومة، او المسؤولين في الحكومة لحماية الناس من ضغوطات القوة والسلطة. حتى ان الذين يشترون حاجة الناس واصواتهم، لا تراهم الحكومة ولا الهيئات المعنية بمكافحة الرشوة، لان انفاق المال اصبح مشرّعاً بالقانون.
هذا غيض من فيض يؤكد ما سبق ذكره في بداية المقال، من ان لبنان يعيش في ظل نظام صوري، لا علاقة له بالحرية المسؤولة ولا بالديموقراطية الحقيقية، ولن تكون لنا هذه النعمة في ظل طبقة سياسية حاكمة، جوّفت كل شيء حسن.