Site icon IMLebanon

“بدنا نفلّ من لبنان”… بانتظار ردّ السفارة!

 

سائق أجرة حشد 7 آلاف طرابلسي لـ”هجرة جماعية” إلى كندا

 

تزامناً مع التحركات الفلسطينية التي طالبت بـ”الهجرة الجماعية” إلى كندا ودول أوروبية، كانت السفارة الكندية في آب الماضي تشهد اعتصاماً لشبان لبنانيين من طرابلس أيضاً اتخذوا الخيار نفسه بالهجرة إلى كندا وتجمعوا أمام سفارتها بالمئات، فما قصة هؤلاء الشباب وكيف ولدت الفكرة؟

الخبر مرّ مرور الكرام ربما لأن الوضعين الإجتماعي والإقتصادي اللذين يمر بهما البلد قد فتحا الباب أمام الكثير من الأخبار التي تعزز فرضية سوء الأوضاع وباتت المطالبات بـ”الهجرة الجماعية” ربما كنشرة أحوال الطقس في فصل الصيف يعتادها اللبنانيون. لكنّ الأخطر في الموضوع أن الشبّان طالبي الهجرة “هم من أبناء طرابلس وشبابها الذين ضاقت بهم سبل العيش في هذا البلد بسبب عدم وجود فرص عمل وغياب كل أنواع التأمينات والتقديمات التي من واجب الدولة اللبنانية أن تؤمنها لمواطنيها. ومع تزايد الوضع سوءاً وتفاقمه، أخذوا القرار أن لا مجال للعيش في لبنان ولكن الهجرة أيضاً غير مسموح بها فما العمل؟”

بدنا نفلّ من لبنان

المجموعة باتت تعرف لاحقاً بمجموعة “بدنا نفلّ من لبنان”. ذهب أعضاؤها إلى سفارة كندا في جل الديب وقدّموا طلباً جماعياً للهجرة. أكثر من 7000 شاب وشابة مع عائلاتهم، قرروا الهجرة وترك البلد لسياسييه، وقدّموا الطلب إلى السفارة الكندية برسالة موقّعة باسمهم وموجهة إلى حكومة دولة كندا، طالبين فيها قبولهم لديها. أما نص الرسالة فجاء كما أرادها شباب مجموعة “بدنا نفلّ من لبنان” على الشكل الآتي:

إلى سعادة سفير دولة كندا المحترم

تحية طيبة وبعد،

نحن مجموعة “بدنا نفلّ من لبنان”، مواطنون لبنانيون من كل المناطق اللبنانية وكل الديانات السماوية وطوائفها ومذاهبها. نحن من سبق واعتصمنا امام ابواب سفارتكم الكريمة لنناشدكم بقبول هجرتنا الجماعية الى دولتكم الموقرة ولنعبر لكم عن مآسينا وآلامنا المشتركة كمواطنين في دولة لا تحترم مواطنيها، يجمعنا فيها الفقر والعوز والإهمال وفقدان الامل بأي مستقبل واعد مرتجى …

سنوات ونحن نعيش وعائلاتنا مأساة لا تُحتمل… فقر وعوز وظلم وبطالة وتلوث ومرض، نبحث فيها عن فرصة عمل للعيش بكرامة من دون أمل.. نسعى الى لقمة عيش اطفالنا كل يوم، ولا نجد سبيلاً اليها الا الذل والمهانة من دون نتائج تُذكر.. في دولة فاشلة عنصرية طائفية مذهبية لا هوية لها، ولا معنى لحقوق المواطن فيها ولا لكرامته ولا لصحته ولمستقبل اولاده وتعليمهم…

 

لم نعد نستطيع دفع إيجارات بيوتنا المتواضعة الغير صالحة للسكن من رطوبتها وتلوث اجواء بيئتها، ولا تعليم ابنائنا حتى في اسوأ مدارس التعليم الرسمي، ولا حتى شراء الكتب والقرطاسية، وهذا رغم سعينا الدؤوب لإيجاد فرص عمل برواتب الحد الادنى. بتنا نخشى عليهم من الامية والجهل وفقدان الامل والذهاب نحو التطرف والمخدرات والتبعية التي تحيط بنا، وما زال الفشل المتواصل يلازمنا في سعينا.

 

اصبحنا نخاف على اولادنا من العمالة المبكرة، من موت محتم على ابواب المستشفيات التي ترفض استقبالهم، من دون مقابل مالي لا نستطيع تأمينه. أمراض تصيب الجميع نتيجة لتلوث الهواء والماء والغذاء الذي نقدمه لهم بأيدينا. حيث ننتظر لساعات طويلة امام مكاتب الطبقة السياسية الفاسدة، لنستجدي وظيفة او مساعدة مرضية اوإستشفائية اوغذائية بذلّ ومهانة، وكأننا نستعطي او نتسول من اموال سرقت من جيوبنا، من دون القدرة على التغيير او ايجاد بدائل ممكنة…

 

لم تعد لدينا قدرة على الصمود في بلدنا حتى بالحد الادنى، ولا حتى القدرة على الابتعاد عنه بالهجرة الى اي بلد آخر ولا حتى رفع الصوت لايصال وجعنا وآلامنا… فحرية الرأي والتعبير ممنوعة في بلدنا المظلوم كأبنائه، والخوف من احتجازنا إعتباطياً اصبح يلازمنا.. حتى القدرات المالية التي تسمح لنا بتقديم طلبات الهجرة ومستلزماتها نفتقدها، ونجد صعوبة حتى في تأمين المواصلات لوصولنا الى السفارات لتحقيق حلمنا…نناشدكم يا سعادة السفير ونناشد دولتكم الكريمة إعطاءنا فرصة أمل لننقذ ما تبقى منا ومن فلذات أكبادنا، بمساعدتنا في تأمين الهجرة لعائلاتنا، لبلدكم الموقر، ونظراً لمعرفتنا بإحترامه لحقوق الانسان وواجباته، نناشدكم لكي تكونوا شمعة ضوء تنير دربنا نحو الحرية والديموقراطية والعيش الكريم في دولة المواطنة والحريات المقدسة، في بلد نحفظ فيه ابناءنا ونداوي جراحنا من تعسف اهل السلطة وظلمهم لمواطنيهم وفسادهم المستشري، علّنا نستطيع الخروج من هذا النفق المظلم الذي لا ينتهي.

 

على أمل أن يلقى طلبنا قبولكم ودعمكم وسعيكم الانساني كما عودتنا كندا دائماً.

 

بإنتظار ردكم الكريم، نتقدم لكم بكامل الاحترام والمودة…

 

مجموعة “بدنا نفلّ من لبنان”.

صاحب الفكرة

أحمد ناجي الفوال وهو صاحب فكرة الهجرة الجماعية إلى كندا، شاب من “الحارة البرانية” يعمل سائقاً على سيارة أجرة. يتحدث الفوال لـ”نداء الوطن” عن الفكرة وكيف وصلت الأمور إلى هذا الحد ويقول: “نحن مجموعة كبيرة من أبناء طرابلس الذين ضاقت بهم الحياة في هذا البلد وحيث لا أمل موجوداً ولا عمل. قبل ذلك قمنا بالعديد من التظاهرات في طرابلس – ساحة النور لنطالب بحقوقنا في الماء والكهرباء والإستشفاء والطبابة وفي تأمين فرص العمل من دون جدوى ولم يكترث بنا أحد في الدولة لا من طرابلس ولا من خارجها. وعندما اجتاحنا اليأس من إمكان الحصول على أي حق في هذا البلد جاءت فكرة الهجرة”.

 

ويوضح: “بداية كنا مجموعة من 6 شبان في جلسة نبحث عن حل لواقعنا وبعدما وجدنا أن لا أمل من كل التظاهرات والإعتصامات، خطرت في بالنا فكرة الذهاب إلى السفارة الكندية بهذه الرسالة طلباً للهجرة. وضعت الفكرة على صفحتي على فيسبوك، وفي بادئ الأمر وجدها البعض صعبة أو لم يتجاوبوا معها، لكن سرعان ما بدأت تنتشر الفكرة وتجد مؤيديها حتى وصل عدد من تقدّم بطلب الهجرة إلى 7203 حالياً وهناك اتصالات يومية تجرى معي من أجل الإنضمام، ولو أردنا تقديم الطلب للكل لتخطّى العدد الـ 20 ألفاً، عدد كبير منهم من المتعلمين وحملة الشهادات الجامعية الذين يبحثون عن فرص عمل في هذا البلد من دون جدوى”.

 

ويختم الفوال: “نحن اليوم نحاول التعبير عن وجعنا للعالم لأن بلدنا ودولتنا لا تريد أن تسمعنا… ويومياً هناك العشرات يتواصلون معي للتسجيل والهجرة. ننتظر الرد من السفارة الكندية، وفي حال لم تستجب لنا السفارة الكندية فسنتوجه إلى كل سفارات العالم في لبنان حتى نجد دولة تأوينا من هذا الوضع المأسوي الذي نعيشه في بلدنا”.

الآلاف ينتظرون

لم تعد هذه الحالة غريبة على مسامع اللبنانيين أمام المشهد اللبناني الاقتصادي الصعب، خصوصاً في طرابلس التي لم تحصل على حقها الانمائي الجدي رغم كل الوعود في فترات الانتخابات، وتقوم وفق معادلة “كلام الليل يمحوه النهار”. نسبة كبيرة من شباب وشابات طرابلس من دون فرص عمل وأوضاعهم المعيشية والإقتصادية في أسوأ حالاتها. الحركة التجارية في المدينة شبه معدومة والكل يئن ويصرخ من تجار وأصحاب محلات وكل الفئات من أبناء المدينة الذين ضاقوا ذرعاً من السياسة والسياسيين الذين كما يقول الطرابلسيون “باعونا الحكي وأكلوا البلد”.

 

وعلمت “نداء الوطن” أن أعداد طالبي الهجرة من الطرابلسيين لدى مجموعة “بدنا نفلّ من لبنان” كل يوم في ازدياد. القيمون على المجموعة وبعد أن تخطّى عدد المسجلين لديهم 7 آلاف ينتظرون رد السفارة الكندية ليبنوا على الشيء مقتضاه قبل تسجيل أسماء جديدة بالآلاف وتوجيهها إما باتجاه كندا أو دولة أخرى بعد أن يأتيهم الجواب. إنّ ما يحصل مع مجموعة “بدنا نفلّ من لبنان” دليل ومؤشر بأن الشباب اللبناني لم يعد لديه أي ثقة بدولته وحكومته وبنيّتها على إحداث التغيير المنشود لتحسين أوضاع البلد.