IMLebanon

نريد أن نعرف

أبرز دليل على عجز الحكّام اللبنانيين عن تسيير شؤون لبنان نحو الافضل، يتجلى في مشكلة بل معضلة الكهرباء.

ان الحاجة الى زيادة الطاقة الانتاجية وتطوير شبكة التوزيع واضحة منذ 15 سنة ولكن لم يتحقق انجاز واحد ملموس.

عجز الكهرباء المتجلي منذ ثلاث سنوات وأكثر على مستوى ملياري دولار في السنة، وهذا العجز محصور فقط باسعار المحروقات مقابل الاشتراكات ولا يشمل معدلات اهتراء المعدات والاصلاحات الطارئة وما شاكل ذلك.

نتحمل مليارين ونصف مليار (فالنصف يمثل اهتراء ادوات الانتاج، وشبكات التوزيع، والمعدات الخ) وكان في امكاننا لو حزمنا أمرنا زيادة الطاقة الانتاجية 3000 ميغاوات، وتحسين شبكة التوزيع مقابل ثلاثة مليارات دولار، وحينئذ كانت لتتوافر لدينا الطاقة الكافية لتأمين الكهرباء من مؤسستنا العامة، بدل اعتماد المولدات الخاصة التي باتت طاقتها الانتاجية توازي الطاقة العاملة في لبنان لدى مؤسسة كهرباء لبنان، والتي لا تزيد بين المحطات القائمة والسفينتين المستأجرتين عن 1400 – 1500 ميغاوات. لا نزال نتحمل كمواطنين كلفة المولدات الخاصة 3 أو أربعة اضعاف اشتراكات كهرباء لبنان، من غير ان نحصل على امدادات متواصلة ليلا ونهارا وعلى وتيرة مستقرة، فنواجه تلفاً لبعض المواد الغذائية والطبية كما نعاني عدم توافر الكهرباء باستمرار سواء لإنتاج الاعمال أو كفاية الحاجات البشرية.

جميع المعوقات والاثقال كان في الامكان تجاوزها عن سبيل تخصيص ثلاثة مليارات دولار لزيادة طاقة الانتاج 3000 ميغاوات وتأهيل شبكة التوزيع بحيث تنخفض نسبة الهدر، والتي تفوق مع السرقات المستفحلة نسبة 48 في المئة من التغذية النظرية المفترض توافرها.

ان فساد نشاطات توفير الكهرباء أمر واضح وقد شاهدنا كيف ان أصحاب المولدات الخاصة في منطقة زحلة تجمعوا للقيام بتظاهرات لمنع توافر الكهرباء 24 ساعة يومياً وبأسعار لا تساوي سوى نسبة 30 في المئة من تكاليف الاشتراكات.

وشركة كهرباء زحلة التي يملكها مهنيون مقتدرون تعرضت منشآتها وتجهيزاتها لنقل الكهرباء وتوزيعها لأضرار مفتعلة من كل المسيطرين على امداد المولدات الخاصة والذين هم مجموعة من المنتفعين يمنعون أي منتسب جديد لتوفير خدمات الكهرباء. وهم وصفوا شركة كهرباء زحلة بانها شركة احتكارية تمتص أموال الناس وتؤدي الى خراب نشاط أصحاب المولدات الخاصة. ومعلوم ان العكس هو الصحيح، فالاحتكار هو لدى اصحاب المولدات الخاصة، وشركة كهرباء زحلة بتوجهها المبني على استعمال مولدات فعالة بطاقة 50 ميغاوات لكل وحدة وضبطها للتلوث، توفر مثالا يجب الاقتداء به في لبنان، وتعميمه. وهذا الامر كان في الامكان تبنيه لو وفرت السلطات الحماية للملكية الخاصة لشركة كهرباء زحلة، ولو وجد الاطار الصالح للمشاركة بين القطاع العام والقطاع الخاص، وهذه النتيجة لا تزال بعيدة من التحقيق، وما جرى في كازينو لبنان كان بمثابة المؤشر لعدم جدوى المشاركة مع القطاع العام.

فالكازينو الذي سيطرت على مسيرته اليومية القوى السياسية، لا المالكون، وفر اسوأ صورة عن المشاركة بين القطاعين الخاص والعام. ذلك ان اسهم الكازينو يملكها بنسبة 10 في المئة مصرف لبنان و35 في المئة الحكومة اللبنانية. والحكومة بموجب ترخيص الاستثمار الحصري لألعاب الميسر في الكازينو تحوز 37 في المئة من الدخل القائم، ويفترض في بقية الدخل ان تغطي التكاليف بسهولة وان تدر ارباحاً مجزية على المساهمين من القطاع الخاص، لكن هؤلاء لن يحققوا اي نتيجة لان أعباء الكازينو تقررها ادارة يمثلها مجلس ادارة لا يجتمع ليقرر ما هو في مصلحة الشركة.

ان هذه الصورة لسوء الاستغلال والادارة تحول دون توسيع دور المستثمرين في مجالات انتاج الكهرباء، والنقل العام، والمصافي، وتأمين المياه الخ. فالقطاع العام اينما وجد ادارته سيئة والشركات التابعة له نادراً ما تعقد جلسات لمجالس ادارتها. ذلك ان اعضاء هذه المجالس من المستفيدين من الغطاء السياسي، وليس عليهم العمل لزيادة الانتاجية وتحسين الربحية، والقليل القليل منهم يدرك أصول الادارة الجيدة، ووضع برامج تطور عمل المؤسسات لسنوات.

المثل الذي توافر من الكازينو – وابشع ما فيه تعويضات بمبلغ 250 الف دولار لموظفين لم يعملوا ومنهم من هو مقيم خارج لبنان – يعتبر عنوانها واضحاً عن سوء الإدارة والاستهتار بحقوق المساهمين، كما الاستهتار بحقوق الموظفين المستمرين في العمل بكد وجد منذ سنوات. واستمرارية هؤلاء ضرورية لزيادة فاعلية العمل، وتالياً مطلوب من سائر الموظفين بعد التعامل السخي مع اشباه الموظفين – ان يعوضوا المؤسسة ما كانت تخسره جراء معاشات وهمية تشبه الى حد ما معاشات عسكريين وهميين كان نظام المالكي في العراق يوفر لهم المعاشات كل شهر، ليتقاسموا بعضها مع الضباط العاملين، فأفسدت المعاملة الفريقين وتالياً لم يواجه تنظيم “داعش” تحدياً عندما اقتحم الموصل.

نريد كهرباء من دون تقطع، ونريد معامل تستعمل الغاز للحفاظ على البيئة، ونريد تجهيزات حديثة وادارة فعالة، ونريد مصافي حديثة لمشتقات النفط، ولن نقبل بالاهمال المتمادي لحاجات المواطنين والكرم السخي مع غير المنتجين المنتسبين الى هذا الزعيم أو ذاك.

لبنان لم يعد يحتمل توزيع المنح على فئات مميزة، وتحميل الجسم الوطني اعباء اللامبالاة. ولتوضيح صورة ضرر الممارسة مع موظفي كازينو لبنان المصروفين لعدم الحاجة اليهم أو لعدم ممارستهم الوظيفة، لنفترض ان 20 في المئة من المنتسبين الى صندوق الضمان الاجتماعي لا يعملون بكفاية ويجب تسريحهم على شكل مواز، تكون الكلفة 30 مليار دولار فندفع لبنان ومؤسساته نحو الانهيار.