IMLebanon

لن نصدق خامنئي

على رغم قيادتهم التحالف الجديد ضد «داعش» واهتمامهم بترسيخه وتوزيع المهمات على أعضائه، يحافظ الاميركيون على الدوران في حلقة مفرغة بدأت قبل أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة هي عمر الانتفاضة السورية، متنقلين بين جملة من التناقضات التي تكشف عدم رغبتهم في حسم هذا الملف، طالما ان الروس والايرانيين متورطون فيه. وتبقى المعادلة التي يعملون بها هي نفسها: لا تسليح للمعارضة ولا إعادة للشرعية الى نظام دمشق، لا قبول بهزيمة المعارضين ولا إسقاط للأسد، بغض النظر عن المستجدات. فهم لا ينظرون الى مصالحهم في العالم بشكل مجتزأ وآني، بل في إطار واسع يستند الى ميزان القوى مع الدول العظمى والاقليمية. يقدمون هنا ويأخذون هناك، يتنازلون في هذه النقطة ويتعنتون في أخرى، يتشددون في أوكرانيا ويتساهلون في الشرق الأوسط…

ولا تشذ المساعدة التي قررها أوباما أخيراً للسوريين عن لعبة التحكم بالخيوط. نصف بليون دولار من المساعدات «غير الفتاكة» سيطير نصفها سلفاً مع الكلفة الإدارية واللوجستية لإيصالها، ويذهب نصفها الثاني، إذا وصل، الى الأيدي الخطأ.

تشمل المساعدة أيضاً «تدريب» مقاتلي المعارضة، لكن هؤلاء يرفعون الصوت: «لا نريد تدريباً ولا رجالاً، فقط اعطونا سلاحاً نوعياً وسنتكفل بإسقاط النظام». غير ان هذا تحديداً ما لا تريده واشنطن الحريصة على توازناتها. ولذا لن نصدق خامنئي عندما يقول انه رفض طلب الاميركيين تعاون بلاده عسكرياً معهم في محاربة «داعش»، فهذا التعاون قائم منذ الغزو الأميركي للعراق في 2003، بل منذ غزو أفغانستان قبل ذلك بعامين، ولا يحتاج الى تجديد مع كل تطور.

لكن الايرانيين ملتزمون دعم النظام السوري الذي ابتكر «داعش» ورعاه وسهل بطرق متعددة تزويده المال والسلاح والرجال، على أمل استخدامه، مثلما حصل، في تطويع السنّة، ابتداء بالعراق، لذا يصبح رفضهم الانضمام الى التحالف ضده تحصيل حاصل.

اما كلامهم عن رفض التعاون فهدفه التعمية على التنسيق الفعلي القائم، ولا علاقة له باستبعاد طهران عن مؤتمر باريس او باشتراط العرب على الاميركيين ألا يؤدي التحالف الى تعويم نظام الأسد، فهم لم يكونوا يتوقعون عكس ذلك.

قال خامنئي انه لا يريد تحويل سورية والعراق الى «باكستان أخرى»، حيث يلاحق الطيران الأميركي قياديي «طالبان» ومعسكراتها، لكنه سبق ان تعاون مع الاميركيين لدى استهدافهم نظام الملا عمر، عندما كان هذا الاخير يشكل تهديداً مباشراً لهم. فكيف لا يصح الآن ما صح آنذاك، علماً ان التهديد «الطالباني» عائد أواخر هذه السنة مع اكتمال الانسحاب الأميركي؟

تستخدم الولايات المتحدة الحرب على «داعش» لتؤكد انها لا تزال تقود العالم وتهندسه، لكنها ليست مستعدة للوصول بها الى النهايات التي لا تتماشى مع مصالحها، وخصوصاً رغبتها في اعادة ايران الى المجتمع الدولي، وهي حددت سلفاً سقف تحركها ضد التنظيم المتطرف من دون ان تعلنه رسمياً: فالضربات الجوية لن تسفر سوى عن إضعاف «داعش» وليس هزيمته، والمساعدات للمعارضة السورية لن تطيح الأسد، والدفاع عن الإقليم الكردي لن يوصله الى مصاف الدولة المستقلة، اما إنقاذ نظام بغداد فله الأولوية، على رغم ما يشاع عن انشغال واشنطن بتلطيف تركيبته الحكومية. اي تعاون اكثر يريد «المرشد»؟