ـ ١ ـ
… لماذا لم تنقذنا المعارضة بعد الربيع /الثورات/ الجحيم المشتعل في كل مكان؟
لماذا تناوب النظام والإسلاميون على التهام المعارضة المدنية بهذه السهولة التي حوّلت احتمال الثورة إلى حرب أهلية؟ ولم يتبق من هذه المعارضة سوى «هياكل فارغة» تنتظر توزيع الأنصبة؟
وكيف اختفى «الحراك»… في لبنان؟
وتحوّلت المعارضة إلى مقاعد المتفرجين على استعراض العبث في البرلمان في مصر بعد خمس سنوات من الخروج الكبير للناس، في طلب الحرية والعدالة إلى جانب «العيش»…؟
إجابة على السؤال مهمة، للخروج من أجواء تسيطر عليه «ميلودراما فاقعة»، لم تأتِ من فراغ، لكنها نتيجة تراكمات طويلة لفشل «باترون» التحرّر ما بعد الاستعمار…
الاعتراف بالفشل لم يتم، واستبدل بالندب، أو التعالي، وكأن الفشل خزي وعار، وإعلانه ليس أول الطريق لفتح أبواب جديدة.
عقود من الفشل، نهرب فيها من الاعتراف بأن وعود «زمن الاستقلال» انتهت إلى كوارث، وأن الربط بين «الوعود» والقدرة عليها وبين «التحرر» ذاته، سيجعل الناس بلا شعور يصابون بالحنين إلى زمن «الاستعمار»، وواقعياً سيتم فرض وضع استعماري عن بُعد.
لماذا لا يتم اعتراف علني بالفشل، بدلاً من كل هذا الاستدرار لفكرة «المؤامرة»، باعتبارها الغشاوة التي تداري الواقع؟
ومثلاً: لماذا عاد لبنان إلى نظام «الحصص الطائفية» التي أدت من قبل إلى حرب أهلية؟ لم يتغيّر النظام في الطائف، تغيّر الراعي، والصفقات الضامنة، وتعدّلت موازين القوى، لكن مع الحفاظ على نظام أدى إلى «اقتتال» بين السكان لسنوات هي أكثر من عمر الاستقلال عن الاستعمار…؟
مثال آخر: هل تكفي نظرات السخرية والمرارة لتركيبة البرلمان المصري، ليس قياساً على تاريخ من العبث المسيطر عليه من سلطة وضعت البلد عند نقطة التجميد، والآن لا سلطة تقدر على العودة إلى هذه النقطة، وبدلاً من التعامل مع عجز السلطة هذا، يتم وضع «موديل مثالي»، يقاس عليه (برلمان السيسي) لتكتمل طقوس الندب الساخر؟
مرة أخرى لماذا لم تنقذنا المعارضة؟
ـ 2 ـ
.. هي «سفن مجاريح»
لا تقدر إلا على حمل الضحايا، والعاجزين، الذين خرجوا من الهامش الذي تركته لهم السلطات بمظلومية، ربطت بين الاختلاف مع السلطة، وبين «التضحية» بمعناها السياسي، أي كلما أصابتك آلام من السلطة، تأكد أن موقعك محجوز في «تراتبية» المعارضة.
هذا «الإيغو المازوخي» (المتلذذ بالتعذيب والألم) لم توقفه سنوات «الثورة/ الربيع»، واستمر بعد خفوت أصواتها، لتستعيد المعارضة رغبتها في تسييد «الميلودراما» بديلاً لحالات تفكيك «بنية السلطة» لا مجرد تغييرها.
التفكيك لم يتم، لأن المعارضة نفسها توارثت هذه البنية، وخاصة فيما يتعلق بتصورات متخيلة عن نقاء «الوطن» (أي سيادة هوية نقية، لا تشوبها شائبة) و «اصطفاف» الشعب… «خلف» القيادة» (وهي الصورة الذهنية السعيدة للمعارضة باعتبارها منافسة للسلطة في نزهة اصطياد الجماهير…).
المعارضة العالقة في «الميلودراما» يمكنها أن تتصور أن الثورة مجرد «لحظة خلاص» ضائعة، نتباكى عليها، لأنها أفلتت «الشعب» من الثوار وأعادته إلى «السلطة..».
هذه الصورة المبتذلة، لا تنتج أفكاراً جديدة، بل تعيد إنتاج صيغ أثبتت فشلها، بل وتطرح في مصر مثلاً فكرة «الاصطفاف» مع الإخوان المسلمين، لاستعادة «الأرض» التي جمعتنا في الثورة، وذلك فقط لأننا أمام «أخوية اضطهاد» من السلطة.
«اصطفاف» الضحايا في مواجهة طلب السلطة «الاصطفاف» خلفها…
يا له من وضع بائس.
أعتقد أنه لا بد من تأمل ما فعلته سيطرة حالة «المظلومية» على كل من يعمل بالسياسة في مصر وغيرها، ذلك الشعور الواقعي بأنه لا بد أن تكون مظلوماً/ ضحية لتحتل موقعاً مهماً في صدارة المشهد السياسي، وإن لم يكن لديك رؤية أو إدراك أو موهبة العمل في السياسة.. كيف أثرت هذه الحالة على وجود السياسة في المجتمع؟ وعلى المواقع التي تحولت بالتدريج إلى مراكز «رعاية» ضحايا/ ثم بعد ذلك إلى منصات ضحايا؟ ماذا فعل «الإيغو» المازوخي؟
ـ 3 ـ
من دون اعتراف بالفشل سيظل «الإيغو المازوخي» متحكماً…
وسنكتسب وجودنا من كوننا ضحايا..
وفكر مثلاً أنه على، مستوى آخر، إذا نظرنا إلى تصعيد «الشحن المذهبي» باعتباره «فشل» الصيغ الحاكمة أو وصولها إلى حالة «الجحيم السائل».. (حالة أشرس من الجحيم ذاته، فهي تجعلنا في قلب الجحيم ولا تصل بنا إلى النهاية سريعاً)…؟
بدلاً من الإيغال في «الهويات القاتلة»، ربما نتخلى عن تلك «النرجسيات المجروحة»، ونرى دموية «أمراء المذاهب..»؟
أقول ربما… لأنه في الواقع لم تقدم معارضة «حروب المذاهب» شيئاً إلا الهستيريا..
بينما مشعلو الحرب أعادوا إنتاج «قوتهم المستهلكة: السعودية بحثت عن تأييد الجامعة العربية في حربها مع إيران… وفي المقابل، أعلن الحرس الثوري ترتيبات هجومية معروفة (هجوم على السفارة/ تهديد باستهداف منشآت سعودية… وغيرها من وسائل ارتبطت بأوائل ثورة آيات الله).. أي أن كل طرف تصرف كما كان يفعل في ماضٍ يتصورون أنه لا يمضي.
هذه الكيانات تتصور أن إنكارها للفشل سيأتي بغير الكارثة.