IMLebanon

لن نقول وداعاً للملحق

كأنني في الأمس فقط كنتُ أنتظر صدوركَ الأسبوعي لكي أتسابق على قراءتكَ مع والدي. كأنني في الأمس فقط كنتُ أفتحكَ بشوق وحماسة وبالكثير الكثير من الفخر، لكي أرى إسمي مطبوعاً على إحدى صفحاتكَ، مذيّلاً قصيدةً من أولى قصائدي، فأفكّر: “أخيراً!”، أنا التي تربيتُ على النظر إليكَ مرجعاً فكرياً وأدبياً، ومكرِّساً أساسياً للشعراء والمثقفين اللبنانيين والعرب. كأنني في الأمس، في الأمس فقط، كنتُ أودِعكَ حواراتي مع الكتّاب العالميين، فتصير لهم بيتاً وهيكلاً.

وها أنا اليوم أجدني أقف أمام بابكَ المغلق، أطرق ولا تفتح.

هذه تحية متواضعة مني إليكَ أيها الملحق، أنتَ الذي لا تحتاج الى تحية، لأنكَ التحية الى ذاتكَ. هذه تحية اليكَ أيها الملحق، أنتَ الذي استطعتَ وتجرأتَ عندما، وحيث، لم يستطع منشور، ولم يتجرأ. هذه تحية إليكَ أيها الملحق الذي كلّما حذّروك من التخطي، تخطيتَ. هذه تحية إليك أيها الملحق الذي، على مرّ عقود، آمنتَ بنا وبكلماتنا وقدراتنا وأحلامنا، على الرغم من محاولات إحباطكَ وثنيكَ. هذه تحية، خصوصاً، اليكَ أيها الملحق الذي لم تكن يوماً “ملحقاً”، بل لطالما كنتَ سيداً حرّاً مستقلاً.

مثلما لا يموت الشعر بموت الشاعر، ولا تموت الرواية بموت الراوي، ولا تموت الفكرة بموت المفكّر، هكذا لن تموت أيها الملحق. هذا ما ينبغي أن يعرفه صنّاعكَ وقرّاؤكَ معاً. لا موتَ نهائياً إلاّ موت الكلمات. وهي لا تموت إلاّ إذا كانت آنية، موقّتة، وعابرة. أن تحيا الكلمات في الزمن، يعني أن تكون قادرة على أن تكون باستمرار، وأن تتحوّل، وأن تنمو، مثلما ينمو الهواء في الهواء. هكذا هي بالذات كلماتكَ.

سوف تعيش كثيراً وجدّاً، بعد، أيها الملحق. لن تعيش العيش الطويل فحسب، بل ستعيش في عيون الناس وقلوبهم والعقول، وفي الذاكرات، وفي الأمكنة، وفي الأزمنة. تماماً كما يعيش الهواء في رئات الناس والأشجار، ويحيا، ممتلئاً بالمعنى الذي لا يعادله معنى. ستعيش لأن قصائدكَ ونصوصكَ وأطروحاتكَ خلّصتكَ من الموت. ثوّاركَ وحالموكَ وخارجوكَ على القوانين. ما أحلاهم، هؤلاء! كانوا يهجمون على صفحاتكَ كأنهم يلتقون فيها بنفوسهم المهرَّبة منهم. يطيرون فيكَ وبكَ، كأنهم يذهبون إلى موعد غراميّ. كأن لحظة الطيران تلك، هي كل ما يريدون أن يعرفوه، ويشعروه، ويعيشوه.

ولأن كلماتكَ الحرّة، النظيفة، المتمردة، منحتكَ حياةً تحياها في عالم الكلمات، قد صرتَ حياةً في حياة الزمن، وجزءاً من سيرورته الخالدة.

لأجل ذلك كله أيها الملحق، لن أقول، لن نقول وداعاً.