بإمكان أيِّ مراقبٍ أو متابعٍ أو محلِّلٍ أو خبير، أن يستخدم عشرات العبارات، لا أكثر، فيُكوِّن منها مقالاً أو دراسة أو بحثاً أو تقريراً وربما كتيباً، لأنَّ الأمور في لبنان لم تعُد تتجاوز هذه العبارات التي لا تتجاوز العشرات.
والعبارات المقتضبة والأساسية، كعيِّنة، هي:
نفايات، إنتخابات، حوار، تقنين، عتمة، بطالة، هجرة، ديون، قروض، تشنُّج، إقفال طرقات، أسلاك شائكة، حراك، مطامر، فرز، مكب، كوليرا، روائح، هدر، فساد، تعيينات بالوكالة، بالنيابة، بالتكليف…
ربما تزيد المصطلحات قليلاً أو تنقص قليلاً، لكنَّها في المحصِّلة هي كل المصطلحات التي تختصر الواقع الذي نحن فيه:
فمنذ 17 تموز الماضي، أي منذ ثلاثة أشهر، ودخلنا في الشهر الرابع، هل بقي أحد من الكتَّاب والمحللين لم يستخدم مصطلحات النفايات والمكبات والمطامر والفرز والكنس والجمع؟
منذ 25 أيار 2014 وحتى اليوم، أي منذ خمسمئة يوم، وقد دخلنا في الخمسمئة الثانية، كم من المرات تمَّ استخدام مصطلحات إنتخابات الرئاسة والفراغ والشغور والرئيس القوي والرئيس التوافقي والرئيس الضعيف؟
منذ التمديد الأول والتمديد الثاني لمجلس النواب، كم من المرات تمَّ إستخدام مصطلحات قانون الإنتخابات، النسبية، التقسيمات الإدارية، إقتراع المغتربين، الكتل النيابية؟
***
منذ بدء الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله في عين التينة، وقد بلغت جلساته 19 جلسة، كم من المرات استُخدمت مصطلحات تنفيس الإحتقان، تبريد الأجواء، سحب صواعق التفجير؟
***
منذ وصول باخرتي الكهرباء، كم من المرات تمَّ إستخدام مصطلحات العتمة، التقنين، المولِّدات، التعليق، هدر الطاقة، الفواتير غير المدفوعة، العدادات الذكية؟
***
منذ بدء الحراك، كم من المرات استُخدمت مصطلحات بدنا نحاسب، طلعت ريحكتم، أعمال الشغب، المندسون، التوقيفات، الأسلاك الشائكة، المكعبات الأسمنتية؟
***
هذا هو البلد، يعيش على عشرات المصطلحات كأنَّه يدور في حلقةٍ مفرغة، ومن كلِّ هذه المصطلحات يصعب إلى درجة الإستحالة العثور على مصطلح إيجابي، فأين نجد إيجابية في بيئة سياسية فاقدة الأهلية، وفي بيئة إدارية فاقدة الصدقية والشفافية، وفي بيئة نيابية إنتهت الوكالة المعطاة لها من الناخبين، وفي بيئة وزارية فقدت ثقة الناس؟
هكذا، لم نعد نملك في هذا البلد سوى مصطلحات الاهتراء والتحلل والإنهيار، وهذه المصطلحات سترافقنا من الآن فصاعداً، إلا إذا عقدنا العزم على المقاومة الإنسانية التي تجعلنا نقول:
نحن أقوى من الظروف وسنقاوم الإحباط واليأس والتيئيس ولن نجعل المحبِطون ينجحون في نقلنا إلى ضفتهم، بل سنبقى على ضفَّة الأمل القائمة على تراث عريق في الصمود.