IMLebanon

إنتصرنا!.. على مين؟!

قرار مجلس الوزراء الذي كان منتظرا اعتماده يوم أمس، هل هزته المطالب المستجدة للتيار الوطني الحر والقوات، فكانت النتيجة، إثارة الزوابع العاتية حول ما تم التوافق عليه كإطار عام وأرجئ البت بتفاصيله إلى موعد لاحق كان مقترحا أن يكون يوم أمس، فلم يتم التوافق ويبدو أن الدف التوافقي قد انفخت مجددا، وتفرق العشاق ولو مؤقتا، وبذلك استمرّ اعتماد قانون انتخابي جديد، وعدا قابعا في ذمة النوايا..! الحسن منها والسيىء بانتظار ما هو آتٍ.

فلنعترف: لقد تم الإتفاق في القصر الجمهوري على مشروع قانون جديد، وجديده: اعتماده للنسبية الموزعة على مناطق خمسة عشر والتي يرى كثيرون أنه لم يتم هضمها وفهمها شكلا وأساسا من قبل غالبية اللبنانيين، وما زاد في تعقيدها عليهم أن قانونها يحمل تسمية النسبية، وهو في واقع حاله، ومآله، ليس قانونا نسبيا إلاّ في بعض أوجهه، وقد أفلح صانعوه في نحته وتسليك سبله إلى مناطقهم ودوائرهم حتى بات مشروع قانون يمكّنهم من الإستمرار في الإمساك بكل مقاليد السلطة، مع تركيز أكثر وأخطر على أن بعض الأحزاب السياسية الرئيسية وتحالفاتها، هي التي ستمسك بكل الخطوط والخيوط، وهي التي بمناطقها الخمسة عشر وتقسيماتها وأفضليات الأصوات التي ستخصص لها، ستتحكم بمقود القيادة، بدليل أن غالبية الفرقاء باتوا على شبه يقين من النسب ومن الأصوات التي سينالونها، ومع ذلك نقول: ما تم حتى الآن، قد جاء لمصلحة إنجازٍ يجنبنا جميعا تحقّق ممنوعات ثلاثة: التمديد وقانون الستين، وبصورة خاصة، الفراغ الذي قد يؤدي حصوله إلى ما لا تحمد عقباه.

وبعدَ ما تقدم، ها هي بعضُ الآراء والأحكام التي توافرت حول ما تم الإتفاق عليه بخصوص هذا القانون الزاحف إلى الإقرار النهائي من قبل مجلس النواب.

وزير الداخلية نهاد المشنوق سبق أن وصف مشروع القانون بأنه مشروع عاقل ومتسم بالواقعية ولكنه ليس عادلا.

وزير المالية جبران باسيل صرح مؤخرا: «نعلن اليوم أننا دفنا قانون الستين وأنهينا الفراغ ودعسنا التمديد، وهذا انتصار للتيار الوطني الحر، بعد أن أقرينا بمبدأ النسبية التي تقربنا من عدالة التمثيل».

الوزير سليمان فرنجية صرح قائلاً: «لا يمكن لمن تنكّر للنسبية وعمل على ضربها من خلال اختراع قوانين غريبة، أن يعتبر نفسه بطلا ويتبناها عند اقرارها والتوافق عليها.

آراء وأحكام معبرة نستقيها من معين له تمثيله الحزبي والفئوي، وإن اختلفت صدقيته وصحته ما بين مصرّح وآخر، فرغم التلاقي والتوافق على المشروع الجديد، شتان ما بين تصريح وتصريح.

مشيرين إلى أن تصريح الوزير المشنوق كان الأعقل فعلا، وقد جاء معبرا عن الواقع الحاصل حيث سارع إلى لملمةِ عقلانية النتيجة بالقول، بأن هذه الحصيلة ليست هي الأعدل، وبشكل عام جاءت مواقف الرئيس الحريري حافلة بالتروّي والحركة التواصلية والتصالحية، وبعضهم ذهب إلى أنها ذهبت في تصالحيتها أكثر مما يلزم، إلاّ أن المشروع الذي تبناه رئيس الحكومة بالنتيجة، كان المشروع الأعقل والأكثر اتساما بالواقعية، ولكنه لم يكن مشروعا عادلا.

وإذ نتوقف عند تصريحات الوزير باسيل التي جاءت كالعادة حادة المزاج، عالية النبرة حافلة بتعابير الإنهاء والدعس وإعلان الإنتصار بصورته المطلقة، وهي أوصاف وأوضاع وتعابير مؤسفة خالية من واقعية تصريحات الوزير المشنوق، وإقراره بمزايا المشروع ونواقصه إلى الحد الذي رأى فيه افتقارا إلى العدل. ولعل تصريح الوزير فرنجية قد جاء مؤازرا في بعض جوانبه للوزير المشنوق حيث أشار إلى مواقف سابقة لوزير الخارجية كان فيها رافضا للنسبية بكل صنوفها، وكان السبّاق في دعوته وتبنيه لمشروع القانون الأرثوذكسي، وكان وما يزال متبنيا لمبدأ التصويت التفضيلي على أساس طائفي ومذهبي ومتشبثا بنقل الأصوات المسيحية التي تشكل جزءا لا يتجزأ من ابناء المناطق الإسلامية التي نشأت وترعرعت فيها أباً عن جد، وساعياً إلى انتقاء المناطق وإقرارها باحتسابات لا نظرة فيها إلاّ من خلال العين الفئوية. كل ما أشار إليه الوزير فرنجية ونشير إليه معه، أقرّ في مشروع القانون الجديد. ومع ذلك، هو قد سارع إلى بكركي حيث كان أول الواصلين إليها، واستحصل على موافقة سيدها البطرك، على حصيلةٍ ربما يكون قد ساهم في اعدادها ولكن لم يكن بطلَها الوحيد، وبعيد ذلك وفي مناسبة لعلها كانت في موقع انتخابي بامتياز، صرّح بما صرّح به منتهياً إلى رفع شارة النصر «وبأننا قد انتصرنا»…! معاليه انتصر، بماذا وبمن وعلى من انتصر؟! وزاد في الطين بلّة تلك الإضافات التفصيلية التي تقدم بها لمحاولة اقتناص مزيد من «الانتصارات» وقد تناولها الرئيس بري برفض قاطع، لمخالفتها لمقررات مؤتمر الطائف وللدستور ولخروجها عن روح الوفاق الرئاسي الحاصل في مقررات القصر الجمهوري، كما لإصرارها على الإبقاء على الهوى الطائفي المرفوض من أغلبية اللبنانيين. وبالرغم من المآخذ العديدة التي تغمر هذا التوافق بصيغته الرئاسية، فإننا نشارك في القول بأن التوافق بعد سنوات من الإنتظارات الحادة والمتوترة، يستوجب، بعضا من التنازلات وتدوير الزوايا، من قبل الجميع، وما تم حتى الآن، وهو مقبول ومعقول في بعض مقرراته وتوجهاته، ما زال ينتظر إقراره من قبل المجلس النيابي، وما زال ساعيا إلى تجنب الطعن به من قبل نسبةٍ معينة من النواب، وما زال بحاجة إلى إقرارِ واعتمادِ مزيد من التفاصيل التي وُصِفَتْ بأنها تقنية، وقد سبق كلّ ذلك قول مأثور يلعن التفاصيل لأن الشيطان يكمن دائما في طياتها، وهي دائما المنفذ التحايلي الذي يلجأ إليه المتلاعبون للتخلص من إلزاماتها، ولعل المطبّ الأكبر سيكمن في إقرار إنشاء مجلسٍ للشيوخ (قبل إلغاء الطائفية كما تنصّ مقررات الطائف المعتمدة في الدستور اللبناني)، ومنذ الآن بدأت الرندحة تشتد حول من سيرأس هذا المجلس أيكون درزياً أم مسيحياً، دونما أخذٍ لنصيحة الوزير جنبلاط قبل حين بتأجيل النظر في هذا الأمر نظرا لحساسياته ولما يتوقعه من زواريبه ومطباته، فقادته حكمته إلى المطالبة بتأجيل هذا المطلب إلى مستقبل مناسب، وما بين الأساس وتفاصيل التفاصيل التي ما زالت قيد النظر، ضاع اللبنانيون، على أمل «ورجاء» منهم بألاّ يضيع لبنان كله نتيجة لصيحات الإنتصار المزعومة، وإطلاق المطالب التعجيزية وبالإنتظار، نبقى مغرّدين مع الرئيس بري: لا تقول فول تيصير بالمكيول.