عشية أحداث يوم السبت ٢٩ حزيران في جبل لبنان، قامت اسرائيل بقصف مُرّكز من المياه اللبنانية على مواقع عسكرية في جنوب وغرب دمشق وجنوب حمص في القصير، وذلك مع بداية الحديث الجدي عن العملية الانتقالية في سوريا والتقسيمات الإدارية الجديدة بين غرب الفرات وشرق الفرات والساحل السوري ودمشق وجنوب دمشق والدستور الجديد، وبالتزامن مع التغييرات الدقيقة في العديد من المراكز الأمنية الحساسة في سوريا قبيل زيارة وزير خارجية سلطنة عمان يوسف بن علوي مع كل ما تمثله مسقَط من رمزية دقيقة في التقاطعات العربية والاقليمية والدولية، وبالتزامن أيضا مع الزيارة الاولى للمبعوث الدولي الجديد الى سوريا غير بيدرسون، والحديث عن التقدم في المفاوضات حول سوريا يقوض أسس الواقع السياسي اللبناني الحالي الذي تكوّن منذ ٢٠١١ على اساس النزاع الدائر في سوريا والذي قد يكون اصبح فاقداً لأسباب الحياة.
لبنان هذه الايام بأمسّ الحاجة الى الهدوء والتبصر الدقيق بخارطة التحولات القادمة بعد الاجتماع الذي عقد في اسرائيل بين رؤساء مجالس الامن القومي الاميركي والروسي والاسرائيلي في ٢٤ و٢٥حزيران، وتصدر الوضع في سوريا موضوعات الاجتماع في إسرائيل وبالتنسيق مع فرنسا وبريطانيا وبعض دول المنطقة المعنية، وهذا التحوّل سيؤثر على مجمل الأوهام اللبنانية في العلاقات بالدول العظمى الأوروبية والاميركية والروسية والآسيوية، وصولا إلى الشطارة اللبنانية بالانخراط في ساحات النزاع من ليبيا الى اليمن الى ايران وتركيا والعراق والخليج، ومع دخول المنطقة في مرحلة انتقالية من النزاعات العميقة إلى تسويات الانتظام، فهل ستكون المنطقة امام مخاطر عمليات حربية خاطفة في الساحات غير القابلة للتحولات السياسية وعمليات امنية واغتيالات قادرة على احداث تغييرات جذرية؟
مصلحة لبنان كانت تقتضي عدم الشروع بإثارة الخلافات والاصطفافات والاستفزازات في هذه الظروف الدقيقة التي تسعى فيها العديد من دول المنطقة الى اعتماد النموذج اللبناني للخروج من ازماتها على قاعدة تسوية الطائف لاستعادة وحدة الدولة والمجتمع والشروع في عملية اعادة الاعمار والنهوض وعودة النازحين وصناعة الانتظام العام بعد سنوات طويلة من النزاعات العبثية وخصوصا في سوريا، تماما كما جرى في لبنان بين ١٩٩٢ و٢٠٠٥ تلك التجربة الاستثنائية التي تعطلت بالتمديدات والاغتيالات وتجديد الحروب والنزاعات المسلحة والشغورات والتحالفات الظرفية مروراً بالانخراط في الازمة السورية وتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والسياسية على لبنان.
ستشهد الايام والأسابيع القادمة في لبنان حالات من الاحباط والضياع والكثير من الانهيارات بعدما نسي اللبنانيون الحكمة الشائعة التي تقول: «عند تغيير الدول احفظ رأسك»، وسيكتشف اللبنانيون بان كل دول المنطقة منشغلة بأزماتها الخاصة وتحاول الحد من الخسائر والنجاة بنفسها من تصدعات التحولات القادمة، وستكون الصدمة كبيرة عندما يتأكد اللبنانيون مرة جديدة من ان عملية تشجيعهم على تحويل لبنان مجددا الى ساحة نزاعات بديلة كانت الغاية منها تغطية انسحاب تلك الدول من تموضوعاتها وأزماتها الناتجة عن النزاعات وتقديم مصالحها على مصلحة لبنان كما كانت الأمور دائما ومنذ عشرات السنوات، وسنعرف جميعا بعد فوات الأوان بأننا أدوات حمقاء كانت تطارد خيط دخان وإنّنا قد ربحنا العالم وخسرنا لبنان.