IMLebanon

أثرياء في الكرامة  

 

عندما يتداخل المحلّي بالإقليمي بالدولي في مسألة تأليف الحكومة سيكون «طبيعياً» أن تأخذ الطبخة وقتها (الطويل) قبل أن تنضج.

 

نقرأ في صحفنا، ونسمع في إذاعاتنا، ونشاهد على شاشاتنا أخباراً ومعلومات من نوع: «هذه العاصمة الكبرى لا تقبل باستبعاد فريق بعينه عن الحكومة».

كما تطالعنا تلك الوسائط الإعلامية بكلام مشابه منسوب الى عاصمة أوروبية، وآخر الى عاصمة عربية، وسواه الى عاصمة إقليمية (…).

والبائس في الأمر أن تلك العواصم ليست موحدة الرأي في الموقف. بل إن ما بينها من خلافات في الأساس وإختلافات في النظرة الى الواقع اللبناني هو مما نعرف ويعرفه الجميع.

كما يُنسب الى عواصم عديدة «نصائح» من نوع: إذهبوا الى حكومة الوحدة الوطنية.

أو: لا يوافق طرف خارجي على «إعطاء» هذه الوزارة السيادية الى هذا التكتل.

أو: لا يوافق طرف خارجي آخر على إسناد وزارة بعينها الى هذا الحزب الخ…

والسؤال: ما دخل هذه العاصمة أو تلك في «شغلتنا» إذا كانت الحكومة المنتظر تشكيلها حكومة وحدة وطنية أو حكومة على قاعدة الأكثرية؟

ولماذا تحشر أنفها عاصمة من هنا وثانية من هناك وثالثة من هنالك في رفض أو قبول إسناد حقيبة «سيادية» أو عدم اسنادها الى طرف بعينه من الأطراف والكتل اللبنانية؟

والجواب إن ذلك يحصل لأنّ القوم، عندنا، مربوطون بالخارج. نجزم بذلك من دون أي تحفّظ! لأنه ليس بحاجة الى شهادة أو إثبات فشهادته وإثباته منه فيه.

والناس تعرف القصة «من طقطق الى السلام عليكم» تعرف من يحل عليهم الوحي (من غير طرف خارجي) وهم في البلد عبر وسائل عديدة، وإما باستدعائهم الى العواصم الخارجية.

… وكثيراً ما يكون هذا «الوحي» الهابط على الأقوام عندنا مشفوعاً بمغريات ليس الكثيرون من يملكون المناعة ضدّها.

لقد أسلس الأقوام، عندنا، القيادة الى الخارج، واستسلموا الى «المغريات» ما يجعلهم يلبّون ما يطلب منهم في ما يتلقونه من تعليمات (تصل لدى لبعض الى حدّ الأوامر) من دون أن يترك لهم حق الإعتراض!

ومَن في لبنان لا يعرف هذه الحقائق؟ ومَن يجهل كيف تتخذ القرارات والمواقف؟

ومن لا يترحم على أجيال السياسيين الذين رغم أخطائهم كلها احتفظ قسم بارز منهم بقدر كبير من الكرامة ومن السيادة ومن حرية القرار، ومن المناعة في وجه المغريات… كونهم كانوا أصدقاء للخارج ولم يكونوا مجرّد أتباع يتلقون التعليمات وينفّذون الأوامر مع التحية و«ضرب التعظيم».

ونحن الذين شاء حسن الطالع أننا تعرفنا عن قرب إلى أولئك الكبار (في بداية إنتسابنا الى مهنة البحث عن المتاعب، وكنّا لا نزال طلاباً) يمكننا أن نقدّم أمثلة كثيرة على الكرامة وعزة النفس اللذين تحلّى بهما كثيرون من أولئك الروّاد الذي تسلّموا أعلى المواقع في الدولة وغادروا الدنيا فقراء مادياً، ولكنهم كانوا أثرياء في الكرامة.