Site icon IMLebanon

الشرق الأوسط في ظل سلاح الدّمار الشامل: هل تحقّق إيران حلمها القديم بامتلاك السلاح النووي؟

 

 

 

يواجه العالم، لا سيّما منطقة الشرق الأوسط، تحوّلات مهمّة في واقعها الجيو- سياسي، ليس فقط عن مجمل التحوّلات الداخلية والاقليمية لدول المنطقة، وإنّما بشكل خاص لانعكاس مفاعيل الحرب الروسية- الاوكرانية على المنطقة بفعل انهيار النظام الدولي وقيام تحالف روسي– صيني يستوعب ايران في مقابل تحالف أميركي – أوروبي يستوعب اسرائيل. وفي ظلّ هذين التحالفين تقوم محاولات متعددة ومتكررة من جانب دولتيْ الاستيعاب، وخاصةً ايران، لكسر الطوق المفروض عليها منذ نجاح الثورة عام 1979 وذلك بتحقيق حلمها التاريخي بامتلاك سلاح نووي.

 

فهل ستتمكّن ايران من تحقيق حلمها هذا؟ وما الذي سيكون عليه موقف اسرائيل في ازاء هذا الاحتمال؟ وما هو موقف الدول الكبرى؟

 

لماذا تصرّ إيران على امتلاك سلاح نووي؟

 

لخمسة أسباب: لأنّها تودّ أن تتسلّح بقوة ذاتيّة تجعل منها دولة ذات أهميّة استراتيجية بين دول العالم. لأنّها تود أن تبرز خصوصيتها في العالم الاسلامي، بأنها الدولة التي تمثّل قدرة الاسلام الفعلية على مستوى العالم. لأنّها تسعى لاستغلال قوّتها النووية في فرض نفوذها على دول المنطقة وتعميم وتوسيع هذا النفوذ. لأنّها تريد أن يكون لها موقع ومكان في قيام النظام الدولي وتركيبته الجديدة. لأنّها تود ان تؤكد مصداقيتها السياسية والعسكرية والوجودية تجاه اسرائيل وان تكون لديها الامكانية ولو النظرية لتحقيق شعارات الثورة وفيها: «محو اسرائيل عن خريطة العالم» وهو الشعار الذي طالما ردّده الإمام الخميني!

 

ما هو موقف اسرائيل من محاولة ايران امتلاك سلاح نووي؟

 

يمكن شرح هذا الموقف من ضمن المعطيات التالية:

 

• منذ نشوء اسرائيل في الأربعينات من القرن العشرين وهي تشعر أنها دولة غريبة عن المنطقة وبالتالي هي دولة مهدّدة من جيرانها، وبالتالي عليها أن تتسلّح بسلاح يقيها الدمار والإبادة وهذا السلاح لن يكون إلّا سلاح الدمار الشامل ترد به على المخاطر التي يمكن ان تحدق بها.

 

• يضاف اليه، وبحسب تحقيق دارسي الجيوبوليتيك فإنّ اسرائيل تصنَّف لديهم دولة – حاجزاً بين سوريا ومصر، ومصير هذه الدول الحاجز مرتبط بأمرين: إمّا أن تصبح دولة حياديّة أو محيّدة وهو أمر شبه مستحيل نظراً لطبيعة الدولتين المحيطتين بها ولنوع علاقتهما بها. وإمّا أن تتسلّح بسلاح الدّمار الشامل كي تكون قادرة على الرد على الدولتين المحيطتين بها وهو الخيار الذي ذهبت اليه اسرائيل.

 

• لقد استوعب دافيد بن غوريون هذا الأمر جيداً وشرع منذ نشوء اسرائيل في العمل على بناء قوّة نووية اسرائيلية وهو ما ساعدت فرنسا على قيامه عبر مفاعل ديمونا النووي. ومن ثم تطوير المشروع النووي الاسرائيلي في الخمسينات بحيث تحوّلت اسرائيل في الستينات والسبعينات الى دولة نووية صنّفها بعض دارسي الجيوبوليتيك العالمي بأنها خامس دولة نووية في العالم (بعد روسيا واميركا وفرنسا والصين)، الأمر الذي سمح لاسرائيل بأن تردّ على كافة التهديدات التي كانت تأتيها من جانب الدول العربية القريبة منها والبعيدة عنها.

 

• قامت استراتيجيّة اسرائيل النووية على أسلوب الكتمان، فالقادة السياسيون والعسكريون الاسرائيليون لم يكن بمقدورهم التحدّث بالتفصيل عن طاقة اسرائيل النووية. كان المعروف والمعلن أن الدولة العبرية تملك سلاحاً نووياً وكفى. غير أنّ هذا الكتمان بدأ ينزاح رويداً رويداً مع سعي دول المواجهة لامتلاك النووي. وهو أمر لن تسمح به اسرائيل ابداً لا بالأمس ولا اليوم ولا غداً إذا استطاعت. وتشاركها في هذه «اللا» الكبرى لامتلاك سلاح نووي حليفتها الولايات المتحدة.

 

• أولى المحاولات كانت في الثمانينات عندما حاول الرئيس العراقي صدام حسين إقامة مفاعل نووي فقام الطيران الاسرائيلي بتدميره.

 

السلاح النووي

 

أدركت ايران باكراً أهميّة حيازة سلاح نووي. ولذا سعت للاستفادة من مساحتها الواسعة (ثلاث مرات مساحة فرنسا) ووزّعت نشاطها النووي من خلال مفاعلات في أماكن مختلفة ومتباعدة كي لا تكون فريسة سهلة للطيران الاسرائيلي. وكانت أهمّ قاعدة نووية لها في منطقة ناتنز، حيث وضعت الكثير من امكاناتها وعلمائها في خدمة مشروعها النووي.

 

ونظرًا لأهميّة وخطورة المشروع الايراني النووي، وضعت اسرائيل العديد من خبراتها وامكانياتها ومخابراتها لمتابعة هذا المشروع واستخدمت الوسائل التالية: متابعة تطوير المشروع علمياً وعملياً على أرض الواقع وبالتالي داخل المؤسسة العسكرية الايرانية. متابعة العلماء والشخصيات التي تعنى بالمشروع والقيام باغتيالهم إذا أمكن ذلك. متابعة تطوّر السلاح النووي والقيام بتفجير اماكن صنعها كلّما أمكن ذلك، وفي الحالتين اعلاه كان العامل المهمّ والحاسم هو قدرة اسرائيل الاستخباراتية داخل الأنظمة والمؤسسات الايرانية!

 

إسرائيل والولايات المتحدة وإيران!

 

من الطبيعي أن تنسّق اسرائيل في سياستها النووية الأنتي- ايرانية مع الولايات المتحدة. وهنا تقع الالتباسات التي يعاني منها الاسرائيليون الآن:

 

فاسرائيل تدرك أنه من المنطقي التفاهم والتعاون والتحالف مع اميركا للقيام بأي عمل عسكري «نووي» ضد ايران. ويبدو أنّ أميركا وبالرغم من موقفها الحاسم ضد امتلاك ايران سلاحاً نووياً، فهي ليست في وارد اعطاء كارت على بياض لاسرائيل للقيام بمهاجمة ايران نظراً لما تحمله هذه المغامرة من مفاعيل دولية. ويبدو ان الرئيس الأميركي الحالي بايدن لم يعطِ اسرائيل الضوء الأخضر في هذا المجال.

 

ثم جاءت التطورات الاستراتيجية التي شهدتها الحرب الروسية – الأوكرانية لتزيد الموقف صعوبة. ففي حين كان الرئيس بوتين متفهماً لهواجس اسرائيل ومتعاطفاً معها، ها هو الآن يقترب ويقرّب ايران من موسكو، في سياق الصراع على النظام الدولي حيث يتمّ ادخال ايران ضمن التحالف الروسي – الصيني: فهي ذات نفوذ ووجود بارز في الشرق الأوسط. وهي تزوّد موسكو بطائرات مسيرة في حربها ضد أوكرانيا. وهي تزوّد الصين بالنفط.

 

وهي تشق الحركة الصهيونية بين بوتين وزيلينسكي خاصةً وأنّ زيلينسكي هو يهودي ويحظى بدعم أكبر من القوى الصهونية مما يدفع ببوتين الى الميل أكثر نحو ايران ودعمها والحرص على مصالحها حتى داخل سوريا وداخل المنطقة بحيث تحوّل كل من اسرائيل وايران الى أجزاء من الصراع الروسي- الاوكراني، بل وأكثر من الصراع العالمي بين خط روسيا – الصين وخط أميركا – أوروبا وهو ما يحقق حلم ايران بالتحوّل الى سوبر قوّة اقليميّة في شرق أوسط برو – ايراني في حين تبقى اسرائيل مستنفرة ويدها على الزناد!!

 

(*) باحث في الفكر الجيوسياسي