.. وعند المقاومة أيضاً سلاح آخر، ليس من حديد ونار، ومثلما هي تعرف كيف تمتشق «ذا الفقار» فإنها تحسن كذلك إمتشاق سيف الرعاية والنصح، والعفو والصفح، على قاعدة: «لولا علي لما كان عمر…»
ومثلما أن للحرب سلاحاً، فإن للسلم سلاحاً أمضى إنْ أُسيء استخدامه فقد يتحول السلم الى حرب، على ما يقول القديس أوغسطينوس: لا نصنع الحرب لنصل الى الحرب وإنما نصنع الحرب لنصل الى السلام.
إنه سلاح السلام الذي شهره السيّد من على الشاشات خلال إحياء «يوم الجريح» في البلد الجريح: «بلدنا أمانة في أيدينا، ولبنان على حافة الهاوية، وعلى الجميع تحمّل المسؤولية…»
والبلاد، بما آلت إليه من كبائر المخاطر والشدائد، باتت تفتقر الى قائد ينتشلها من حافة الهاوية، ومن مخادعة السحرة الذين يتلاعبون بإخراج الأرانب من أوكارها.
في تاريخ الأمم عندما تنهار الهمم والقيم، ويصبح الحكام عبيد نزواتهم، لا بدّ من التفتيش عن منقذ يلتقط السفينة المرتمية دونما هداية في صخب العواصف الهائجة.
ولا نهوض للأمم المتخلفة إنْ هي استغرقت في التعامي عما تحدّد في جمهورية أفلاطون، وفي أبحاث الخلافة والإمامة، أو في كتاب الأمير لميكافيلي، حول الأهمية التي يعلِّقها المفكرون السياسيون على دور الرجل القائد عندما تتعرض الشعوب للكروب والمحن.
هل نحن في حاجة إذاً، الى التمثّل بالفيلسوف اليوناني ديوجين، الذي حمل قنديلاً في واضحة النهار وراح يفتش عن رجل، كأنما الأرحام عندنا قد أُقفلت على ولادة الرجال؟
وهل سنظلّ نتأرجح في دوّامة الفراغ القاتل، وخفّة المسؤوليات وحمَّى النكايات كمثل ما رويَ عن الحاكم بأمر الله الذي حرَّم «الملوخية» لأنَّ معاوية كان يحبّها؟
لقد تقاسمنا هزيمة الفشل، وانقسمنا حيال تناقض الإزدواجيات: من الثنائية الشيعية، الى الثنائية المارونية، الى ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، وثلاثية الفراغ والتمديد وقانون «الستّين»، وقد نصل الى رباعيات عمر الخيّام التي يخيّم عليها القلق والتشاؤم النفسي.
الأمر بات يحتاج الى أَحدِّية متعالية، الى منقذٍ يردّد ما جاء في مقدمة قانون حمورابي ليقول: «… في ذلك الوقت نادتني الآلهة أنا حمورابي الخادم الذي كان عوناً لشعبه في الشدائد، كيْ أمنع الأقوياء من أن يظلموا الضعفاء»
«… بلدنا أمانة في أيدينا…» هذا كلام قائد قادر على خدمة شعبه وعلى إنصاف الضعفاء من ظلم الأقوياء.
… «لا تخافوا على مستقبل لبنان سيعود واجهة للشرق الأوسط…» هذا كلام رئيس بالغ الطموح العوني وطالما أعلن نفسه «عوناً» لشعبه في الشدائد.
عندما يسقط سلاح الرشد والنصح.. «ونصحتُ لكم ولكن لا تحبّون الناصحين…» لا بدّ من قرار حاسم لمن وليَ على الناس ليكون له عقل الكلّ.
إذا كان لا بدّ من التسليم بثنائية ما، فلتكن ثنائية الرئيس والسيد وكلاهما «بيّ الكل»، لقول الكلمة الفصل بما يعرف «بالإستبداد النيّر»، في معزل عن النافخين في النار والمتراقصين على قرون الثيران.
فإنْ عجزت هذه الثنائية، والمدى الزمني قد ضاق حتى الإختناق، فإننا نخشى أن نصل الى ثلاثية من نوع آخر، هي ثلاثية الحرب التي قال فيها مثل إلماني: «إنها تخلق دولة منقسمة الى ثلاثة جيوش: جيش من المشلولين وجيش من المشيِّعين، وجيش من اللصوص.