لبنان السياسي مريض فوق كونه يجسد عملياً قول هنري أدامز: “السياسة هي التنظيم المنهجي للحقد”. ولبنان المالي والإقتصادي مفلس، لأن المافيا نهبت ثروته، ولا أمل في ان تتوقف عن ارتكاب الكبائر والتقاتل على الصغائر في سفينة تغرق. والمفارقة هي إدعاء القوة، وسط دفع البلد والناس الى أعمق هاوية في الأزمات، ثم الرهان على ما يسميها برين براون “قوة القابلية للعطب”. فما تتكل عليه هو الاعتقاد أن المجتمع الدولي لن يترك المريض اللبناني يموت. وحين يتحمس الطبيب الفرنسي لتقديم العلاج، يرفض المريض استعماله.
وليس الخلاف على الحكومة سوى تمارين في العبث داخل مأزق عميق. فما هي الحكمة من وراء التركيز على الثلث المعطل بدل التفاهم على الانقاذ في بلد معطل بسطوة مافيا عاطلة ومعطِّلة؟ وماذا يفعل بالسلطة من يريد الاستئثار بها، حيث لا مال ولا مساعدات ولا فك للعزلة العربية والدولية من دون فك الارتباط بمحور “الممانعة”؟
الأجوبة، على اختلافها، هوامش على متن نحاول الهرب من رؤيته وقراءته على حقيقته. فما نحن فيه قادت اليه مقدمات وليس صاعقة في سماء صافية. وما ندفعه اليوم من ثمن ادارة السلطة بالانقسام ثم بتخلي المرجعيات الرئاسية عن معظم التحالفات، ليس سوى جزء من الثمن الكبير الذي ندفعه في تدمير مشروع الدولة وفي الصراع الجيوسياسي على لبنان. ومختصر ذلك هو الوصول الى الوجه السلبي للأوضاع والسياسات بعد استنفاد الوجه الايجابي.
الوجه الايجابي للنظام أعطانا الحرية في منطقة أنظمة شمولية، والديموقراطية على نواقصها، والإزدهار الإقتصادي، وبعض القامات من رجال الدولة، والمناخ الجيد للإبداع الأدبي والفني بحيث صار لبنان مصرف العرب وجامعاتهم وصحافتهم ودار نشرهم وملجأ الهاربين من الظلم. وحين قادت الممارسات الخاطئة وسطوة قوى ومنظمات على البلد الى الوجه السلبي وجدنا انفسنا في نظام معطل ودولة فاشلة وسلطة ضعيفة وانهيار مالي واقتصادي واجتماعي.
والوجه الايجابي لسلاح “حزب الله” أعطانا تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي ويُعطى اليوم دور “قوة ردع” لأي اعتداء اسرائيلي. لكن الوجه السلبي الذي وصلنا اليه كشف أشياء كثيرة: السلاح له دور اقليمي في خدمة دور محور “الممانعة”. سياسة السلاح جعلت لبنان في ورطة مع أشقائه العرب واصدقائه الدوليين. وبناء شبه دولة “مستقلة” عسكرياً وأمنياً ومالياً واقتصادياً جعل من المستحيل قيام دولة.
في أميركا قصة شهيرة عن “سرير بروكروست” الذي يعمد صاحبه الى قطع رجلي من ينام عليه اذا كان أطول منه. أليس ما تمارسه السلطة هو سياسة سرير بروكروست عبر القطع ليصبح البلد على قياس أشخاص؟