عندما دشّن وزير خارجية الكويت الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح أول زيارة عربية ودولية للبنان مطلع السنة الجديدة، إستبشر اللبنانيون بهذه العودة الكويتية. قال الصباح انه سلَّم المسؤولين اللبنانيين ما أسماها «إجراءات إعادة بناء الثقة بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي». «الإجراءات» عبارة عن مطالب خليجية ـــ دولية تتعلق بالوضع في لبنان. سرعان ما كشفت وسائل الإعلام اللبنانية عن بنود الرسالة الكويتية وأبرزها مطالبة لبنان بروزنامة زمنية لتنفيذ القرار الدولي الرقم 1559، وقد عكف المسؤولون اللبنانيون على اعداد رد لبناني حمله وزير الخارجية عبدالله بو حبيب الى اجتماع الكويت الوزاري العربي. ما رشح من معلومات يشي بأن الرد اللبناني تضمن إشارة إلى ان الحكومة اللبنانية غير قادرة على تنفيذ القرار 1559،وأنها تغلّب المصلحة اللبنانية في الحفاظ على السلم الاهلي والوحدة الوطنية على الدخول في مندرجات هذا القرار، أي ما تبقى منه وهو حل الميليشيات اللبنانية ونزع سلاحها والمقصود هنا هو سلاح حزب الله، وهو المطلب الذي لا يحظى باجماع لبناني أولاً ولا قدرة لطرف لبناني على تنفيذه ثانياً. بكل بساطة تطلب الجهات الخليجية والدولية من الحكومة اللبنانية نزع سلاح حزب الله من دون تقديم بدائل لردع اسرائيل. البديل الاساس هو دعم الجيش اللبناني بالسلاح والعتاد الكافيَيْن للدفاع عن لبنان والتصدي للاعتداءات الاسرائيلية. على سبيل المثال لا الحصر، الجيش اللبناني ليس مجهزا بوسائل دفاع جوي ولا برادارات انذار ولا بقوات جوية قتالية. وليس سراً ان الادارة الاميركية واللجان المختصة في الكونغرس الاميركي (لجنة القوات المسلحة ولجنة الشؤون الخارجية) تعارض تجهيز الجيش اللبناني بمثل هذه الاسلحة. وقد حدث عام 2010 ان اوصت لجنة الشؤون الخارجية بوقف تسليم الاسلحة للجيش اللبناني اثر مقتل ضابط اسرائيلي بنيران الجيش اللبناني رداً على اطلاق نار اسرائيلي ادى الى مقتل ضابط وجندي لبنانيين.. وقد استمر وقف تسليم الأسلحة لمدة سنتين.
لم تكتفِ الولايات المتحدة بعدم تسليم الجيش اللبناني اسلحة تمكنه من الدفاع عن لبنان بل منعت دول العالم من تجهيز لبنان بالاسلحة وخصوصا ما جرى مع العرضين الروسي والايراني وقبلهما عرض حكومة بلجيكا صفقة دبابات ليوبارد وناقلات جند على لبنان عام 2010. المعادلة المطروحة دولياً: لا سلاح للجيش اللبناني.. والمطلوب منكم نزع سلاح حزب الله؛ والسؤال من يحمي لبنان؟ عودة الى القرار الدولي 1559 المطلوب تنفيذه بحجة انه صادر عن المجتمع الدولي وأن هذا المجتمع يريد من الحكومة اللبنانية الالتزام بقراراته. لكن هناك قرارات اخرى للامم المتحدة لم تنفذ ايضا ولبنان له مصلحة في تنفيذها وهي غابت عن المطالب التي وصفها وزير خارجية الكويت بأنها «خليجية ودولية». أولاً؛ القرار الرقم 194 الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة عام 1949 والذي ينص على عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم. تدرك الجهات الخليجية والدولية ان احد الاسباب الاساسية للنزاعات اللبنانية هو الوجود الفلسطيني الذي كان يشكل في الفترة ما بين 1969 و1982 قوة مسلحة تقودها منظمة التحرير الفلسطينية. وتحول بعد 1982 الى أسلحة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مبررها حماية الشعب الفلسطيني لكنه ادت مثلاً عام 2007 الى إندلاع حرب مخيم نهر البارد التي نجم عنها سقوط مئات القتلى والجرحى وإحداث دمار شديد في المخيم والمناطق اللبنانية المجاورة. لم نشهد اي جهد خليجي او دولي من اجل تنفيذ هذا القرار الذي لو قيّض له التنفيذ لكان ذلك يشكل مدخلا اساسيا لتسوية الازمة اللبنانية بكل تشعباتها خصوصا ان الدستور اللبناني الحالي المنبثق عن اتفاق الطائف يمنع في مقدمته التوطين. ثانياً؛ القرار الدولي الرقم 242 الصادر عن مجلس الأمن عام 1967 وينص على عدم جواز احتلال الاراضي بالقوة وانسحاب اسرائيل من الاراضي العربية المحتلة وحل عادل لمسألة اللاجئين الفلسطينيين. لم نشهد اي تحرك خليجي او دولي لتنفيذ هذا القرار. لو تضمنت المطالب العربية تنفيذ كل هذه القرارات الدولية المتساوية في القانون الدولي وفي السياسة، لكان الوضع مختلفا ولقيت المطالب تأييد ودعم مختلف فئات الشعب اللبناني وقواه السياسية وكذلك الامر الحكومة اللبنانية. اما ان يجري انتقاء قرار دولي واستبعاد قرارات اخرى فلا يستقيم في السياسة ولا في القانون ولا في المصلحة الخليجية ولا الدولية واولا وآخراً في المصلحة اللبنانية. كان على مذكرة المطالب العربية ان تتضمن دعما لقدرات الجيش اللبناني لكي يصبح جاهزا للقيام بمهماته الدفاعية علما ان الجيش يحظى بتأييد ودعم مختلف فئات الشعب اللبناني واطيافه السياسية، كما كان على المطالب ان تتضمن تنفيذ القرارات 194 الصادر عن الجمعية العامة (عودة اللاجئين) و242 و338 الصادرين عن مجلس الامن وجميع القرارات ذات الصلة من اجل التوصل الى حل عادل يحفظ حقوق الجميع ويعيد العلاقات الخليجية اللبنانية الى سابق عهدها الاخوي.
* عميد ركن متقاعد