Site icon IMLebanon

إهتراء مدروس ومعلومات خطِرة عن بعض الملامح

يكون ساذجاً من يعتقد أنّ مشكلة النفايات هي مشكلة مطامر أو حتى خلاف على تقاسم «الجبنة». فالطاقم السياسي معتاد على التقاسم. ويكون ساذجاً من يعتقد أنّ الفراغ الرئاسي هو مسألة مواصفات أو أسماء، وأنّ الشلل الحكومي والنيابي هو مسألة توافق سياسي. في الحقيقة، كلّ شيء مدروس لبلوغ الاهتراء الكامل، خطوةً خطوة… إلى أين؟

إذا عرضوا على «حزب الله» 100 مطمر في البقاع الشمالي، فهو لن يوافق على خطة الوزير أكرم شهيّب، لا لأنّ له أسباباً أمنية أو تقنية، بل لأنه لا يرغب في إقفال الملف. ولو كان راغباً فيه، لما نشأت أزمة النفايات أساساً.

وأكثر من ذلك، في تقدير المطلعين جيّداً، لو عُرض على «الحزب» أن يُنتخب اليوم العماد ميشال عون أو أيّ من مرشّحيه المفضلين، فهو لن يسَهِّل الانتخابات، لأنّ الفراغ الرئاسي هو هدفٌ في ذاته لـ«الحزب».

ولو لم يكن الأمر كذلك، لَما وقعَ الفراغ في 25 أيار 2014. فمِن السهل جداً على «الحزب» إقناع حليفه المسيحي بالمرشّح التوافقي، تحت عنوان الضرورة، كما حصل في الدوحة في العام 2008.

وكذلك، يمكن القول عن التمديد مرّتين للمجلس النيابي والشلل في المجلس والحكومة وسائر المؤسسات، وعن التردّي اللامحدود في أداء الإدارات والمؤسسات والمرافق، ولا سيّما الكهرباء. ولذلك، هناك برمجة لسلسلة من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يجري تحريكها عند الحاجة.

وعلى النار اليوم، بعد الحراك المدني الذي يمكن استغلاله وركوب موجته، هناك حراكُ هيئة التنسيق النقابية الذي يوشك أن يتسبّب بشقّ صفوفها. وإذا اقتضى الأمر، فسيتمّ خلقُ أزمة رواتب في القطاع العام تصيب الموظفين والعسكريين وتهزّ البلد، وتتحرّك سلسلة الرتب والرواتب النائمة.

وفي ظلّ هذا الانحدار الداخلي نحو الاهتراء، ستأتي الضربة من الخارج، حيث هدّد البنك الدولي بإلغاء قروض مسهَّلة للبنان، إذا لم يقرّ التشريعات

الخاصة به، وقيمتُها تفوق مليار دولار، قبل 31 كانون الأوّل المقبل. وإذا نَفّذت المؤسسات الدولية تلويحَها بخفض تصنيفها للدولة اللبنانية، فستكون العواقب كارثية، كما يقول المطّلعون، لأنّ لبنان سيُصنَّف دولةً فاشلة.

إذاً، في الأشهر القليلة المقبلة، قد يصل لبنان إلى الاهتراء الكامل، وفق خطة مرسومة ويجري تنفيذها بدقّة. فمِن أزمة النفايات صعوداً إلى الفراغ الرئاسي، هناك خيط واحد يربط كلّ شيء!

ويتحدّث المطّلعون عن ملامح جديدة بدأت تبرز في لبنان، تؤكّد الاتجاه نحو الاهتراء، وهي الآتية:

1- لا انفراجات متوقّعة في الملف الرئاسي. وعملياً، لا أسماء سعى رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشيه إلى اعتماد أحدِها رئيساً للجمهورية.

وما حكِي عن المرشحين الثلاثة كان لجَسّ النبض لا أكثر، ولم يأتِ بجديد إلى لائحة الأسماء المتداولة في لبنان. وقد أعطِي الأمر أكثرَ من حجمه. وأمّا الوسطاء الآخرون، ولا سيّما الفاتيكان، فقد «رَفعوا العشرة»!

2- لن يستقيل الرئيس تمام سلام مهما تزايدت الضغوط، لأنّه سأل كبار الخبراء في الدستور عن الخطوات الممكنة. وهو يشعر بمخاطر خطوة من هذا النوع في ظلّ الفراغ الرئاسي.

لكنّه، في المقابل، لن يستمرّ فريسةَ التعطيل المتعمّد، هو وحكومته، إلى ما لا نهاية. وفي الأيام القليلة المقبلة، قد يتّخذ خطوات معيّنة تحت سقف الحِرص على مراعاة المصلحة العامّة.

3- فيما الصراع السياسي يتفاقم، تتسارع وتيرة الانهيار الاقتصادي- الاجتماعي. وفي الأسابيع الأخيرة، ترتفع شكوى عارمة في الوسط المصرفي من تزايد نسبة المدينين العاجزين عن التسديد للمصارف إلى مستوى غير مسبوق.

ويطالب بعض المدينين بإعلان إفلاسهم، لكنّ المصارف ترفض إفلاسَهم. فذلك ممنوع. وفي الفترة الأخيرة، وردت إلى حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة مطالبات بعدم إصدار المصرف حوافزَ حمائية للاقتصاد والمؤسسات الاقتصادية تمنعها من الإفلاس.

ووصَلت تقارير إلى بعض المعنيين تتحدّث عن أنّ نحو 60% من المؤسسات الاقتصادية تعاني وضعاً صعباً، وأنّ قسماً منها يقترب من إعلان إفلاسه.

ويشير البعض إلى أنّ المؤسسات التي تتلقّى دعماً من «حزب الله» مهيّأة للصمود أكثر، فيما المؤسسات الأخرى التي لا تنتمي إلى دائرة «الحزب» هي الأكثر معاناة. ومع تنامي هذا الموقف، قد يتمكّن الأقوياء من الانقضاض بأموالهم على الضعفاء.

وهذا ما سيبَدّل وجه لبنان واقتصادَه المعروف به تقليدياً، وربّما دوره الإقليمي. وهذا يشمل أيضاً ملكيات المصارف وتوزيع حصصها. وسيكون ذلك أكبر عملية «ترانسفير» اقتصادية وماليّة يشهدها لبنان منذ إنشائه.

وهذه المرحلة الماليّة والاقتصادية هي الأخطر لأنّها غير ظاهرة. والماكينة التي تتحرّك متكاملة، ولها عقل خارق وأدوات هائلة ومدعومة إقليمياً ودولياً. ومن هنا اقتناع «حزب الله» بأنّه سينتصر بعد التدخّل الروسي، في لبنان والعراق كما في سوريا.

4- تكشف معلومات أنّ زلماي خليل زاد، وهو أوّل سفير للولايات المتحدة في أفغانستان والعراق بعد الحرب، وهو خرّيج الجامعة الأميركية ومعروف بحبّه للبنان، زار بيروت قبل أيام. وقال للّذين اجتمعَ بهم إنّ واشنطن ربّما تكون في صَدد إعادة بناء المنطقة على أسُس مدنية وديموقراطية، بدلاً من بعض الأنظمة القائمة على أسُس دينية وغير ديموقراطية. وفي رأيه أنّ إيران وقطر وتركيا وافقت على هذا الاتّجاه.

لكنّ خليل زاد انتقد غياب القادة الذين يتمتّعون بالمستوى المطلوب في لبنان. فالموجودون حاليّاً هم إجمالاً غير مؤهّلين لقيادة مرحلة العبور الصعبة. وقد زار الرجل عدداً من المسؤولين. وقال إنّ هناك سياسيين لا يهمّهم سوى الحسابات المصرفية وحماية المواقع.

فهناك حاجة إلى تغيير الطبقة السياسية في لبنان، بالتأكيد. ولكنّ السؤال المطروح: كيف سيتمّ التحضير لإسقاطها والمجيء بطبقة بديلة؟ وهل يستغلّ الأقوياء، ولا سيّما «حزب الله» موجة التغيير ليقوم بتركيب الطبقة التي تناسبه وتنسجم مع طرحه لمستقبل لبنان والشرق الأوسط؟.

فحتى الأميركيون ليسوا قادرين على صياغة مستقبل واضح للبنان، وينحصر همُّهم بالخروج من المأزق الحاضر. وهذا ما حصَل في العراق… الذي انتهى إلى المأزق الكياني بعد الحرب الأميركية هناك. وحتى المؤتمر التأسيسي قد يكون أصبح من الماضي، وفق ما يقول البعض، لأنّ «حزب الله» صار «أكبر من هيك»!

لذلك، ستبدأ ملامح الاهتراء بالظهور خطوةً خطوة. وسيكون الاتجاه الذي سيختاره سلام في هذه المرحلة واحداً من المؤشّرات التي بات يتوقّعها جميع المعنيين في الداخل والخارج.

البعض يقول: كيف سيتمكّن سلام من ضبط ساعته على الساعة السعودية، تجنّباً لإحراج الحليف العربي الداعم له في السراي، وتالياً إحراج تيار «المستقبل»؟

وهل يفعلها سلام الآن أم «يطَوِّل باله» أكثر؟ إلى متى؟ وإلى أين؟