بوتيرة متسارعة، دخلت منصة “صوت بيروت انترناشونال” المدعومة مادياً من رجل الأعمال اللبناني بهاء الدين الحريري، حلبة المنافسة الشرسة مع وسائل الإعلام المرئية التقليدية، جاذبة جيل الألفية “الثائر” وكل من يملك “هاتفاً خلوياً” إليها!… وعملت إدارة المنصة على استقطاب اسماء اعلامية لامعة وحشد خبرتهم للانتقال إلى عالم “التلفزيون الرقمي” والتوسع فيه. فهل ستنجح هذه التجربة الريادية؟ وهل ستشكل أساساً لتفكيك رموز النظام السياسي عن قواعده الشعبية، واستعادة إرث الشهيد رفيق الحريري اللاطائفي والطامح للبنان السيادي؟
رأى البعض في دخول نجل رفيق الحريري في مجال البث التلفزيوني ومنصات الإعلام الرقمي ونشر المحتوى، “اقتحاماً” سياسياً من باب الإعلام، فيما رآه آخرون استعادة لصوت يحاكي نبض جمهور الحريري الأب الذي تشرذم، في زمن تحوّل فيه تلفزيون المستقبل إلى مجرد ذكرى بعدما كان يمثل توجهات بيئة معينة. فما هدف المنصة فعلياً؟ وهل ستتمكن من استرداد دور “لعيونك”؟
تجربة إعلامية حديثة
في تجربة هي الأولى من نوعها في لبنان، أحدثت خدمات بث “صوت بيروت انترناشونال”، “ثورة” في طريقة مشاهدة التلفزيون واستهلاك المحتوى. ورأى المستشار الإعلامي لبهاء الحريري ومدير المنصة الرقمية جيري ماهر، في حديثه لـ”نداء الوطن”، أن “العلاقة بين الإعلام والجمهور قد تغيرت وعليه ظهر تعطش اللبنانيين، بخاصة الثوار منهم، لتحوّل التلفزيون إلى الفضاء الرقمي الموجّه والذي يعتمد على المحتوى المتخصص وإضفاء الطابع الشخصي الذي لا تقمعه مقصلة “الإعلانات”، ويعبر عن الناس ومطالبهم المعارضة لنظام التحاصص الطائفي وينقل أوجاعهم ويتناسب مع توجهاتهم، ويفضح أساليب التلاعب والفساد والمحسوبيات وتسليط الضوء على ذلك إعلامياً”.
وأوضح ماهر أن المنصة كانت موجودة منذ عام 2005 إلا أنها ظهرت بشكلها الحديث مع “اندلاع ثورة 17 تشرين وعبر التغطية الإخبارية المباشرة بالصوت والصورة على صفحة فيسبوك، وبالتعاون مع صفحة الإخبارية التوأم “بيروت سيتي”، وهي مدعومة بشكل واضح وصريح ومعلوم من الشيخ بهاء الدين الحريري، الذي يؤمن بدوره بحرية الإعلام، وبأن هذه الطبقة الثائرة التي خرجت من العباءة الطائفية تستحق أن تكون لها وسيلة إعلامية تمثلها، وتنقل معاناة الشعب اللبناني من الشمال إلى الجنوب بلا قيد أو شرط أو تنازلات ولا تلتزم الا بقانون المواطن اللبناني، وبنفس الوقت تؤمن للإعلاميين مصدراً للرزق ثابتاً في ظل هذه الأزمة الإقتصادية التي دفعت بعض الإعلاميين الكبار للهجرة”.
تغطية رقمية مباشرة
وفيما يصف “حزب الله” تلفزيونه بالإعلام الحربي، يرى جيري ماهر أن “الصفة الأنسب لـ”صوت بيروت انترناشونال” هو أنها “صوت الناس”. ثم استشهد بقول للإعلامية في تلفزيون المستقبل سابقاً سحر الخطيب كانت قد قالته بعد أحداث 7 أيار، عن أن “شيئين في الجسد لا يُلمسان “الروح والصوت” وهذا لحكمة من حكم الله، وأنه من هذا المنطلق فإن الصوت الحر يستطيع أن يخدم قضية الناس، ولهذه المنصة صوت قوي وحر غايته نقل الصورة والصوت من الشارع بصدقه وتفاصيله غير المقتطعة”، وأردف: “صوت بيروت انترناشونال تحاكي جمهور الشهيد رفيق الحريري ومحبيه وكل المؤمنين بسيادة واستقلال لبنان، وتحاكي اوجاع الناس وتطلعاتهم وآمالهم وتسعى لإيصال صوتهم للمجتمع الدولي. وما يميز “صوت بيروت انترناشونال” عن غيرها، ليس فقط شكلها الحديث، بل أنها استطاعت جمع الإعلامي طوني خليفة من تلفزيون “الجديد” بالإعلامية ديانا الفاخوري من قناة “أم تي في”، والإعلاميين ماريو عبود وهشام حداد من تلفزيون “أل بي سي” وقبلها في “أو تي في” على اختلاف توجهاتهم السياسية كل في دوره الخاص، بلا رقابة تقيدهم”.
ويشرح جيري ماهر أن منصة “صوت بيروت انترناشيونال”، وتوأمها صفحة الفيسبوك الاخبارية “بيروت سيتي”، تتيحان للمراسلين “فرصة ممارسة الصحافة عبر منبر تركيبته مختلفة عن تركيبة المنابر الإعلامية التقليدية (الجريدة، المدوّنة، التلفزيون، الراديو)”. فبرأيه إن الثقة في محتوى هاتين المنصتين لا تأتي عبثاً ولا بسهولة بمجرد فتح “القناة”، بل تُبنى استناداً على ما يُقدم في الصفحة من تقارير مصوّرة وأخبار آنية تواكب التحركات الإحتجاجية أو تتناول مواضيع يشعر المتابع بارتباط فعلي وحقيقي بها، فيتفاعل معها”. ويكمل: “وهنا تجدر الإشارة إلى أن الواقع الافتراضي قد غيّر طريقة تفاعل “المشاهد والقارئ” مع الملفات السياسية والإقتصادية والإجتماعية، وبات أي محتوى نقدمه كمنصة إلكترونية هو محتوى “مدفوع بالمشاهد” Pushed by viewer الذي يمكنه بأي لحظة “إلغاء متابعة الصفحة وحتى حظرها عن “النيوزفيد” الخاصة به، وهي خاصيات لها حسناتها وسيئاتها. بالإضافة إلى أن خاصية “العرض عند الطلب” أو “الحفظ للمشاهدة لاحقاً” أو حتى تنزيل الفيديو ومشاركته في تطبيق مختلف، تزيد من نسبة ارتياح المتابعين للمحتوى الذي نقدمه”. وختم قائلاً: “صحيح أننا ركزنا في الفترة السابقة على المحتوى المرئي والمسموع، إلا أننا قريباً سنوسّع الموقع الإلكتروني لصوت بيروت أي قسم الصحافة المكتوبة، تحت إشراف مسؤول التحرير الحالي خالد ماهر”.
هشام حداد
حداد وخليفة وعبود والبقية تأتي
يفقد التلفزيون اللبناني بصيغته التقليدية “مشاهديه” بصفة متواصلة لصالح المنصات الرقمية، وتتجه معظمها إلى انتقاء اللحظات التلفزيونية الأهم، ورفعها على منصات إلكترونية للقنوات نفسها، من أجل تحقيق نسب مشاهدة أعلى واصطياد المشاهد. كما أن عدد مشاهدي التلفزيون التقليدي إلى تراجع مقابل ارتفاع عدد المتابعين لنفس القنوات على صفحاتها على وسائل التواصل، وتراجعت الإعلانات التلفزيونية بشكل هستيري مع الإنهيار الإقتصادي الحاصل وبخاصة مع تدهور الليرة اللبنانية مقابل الدولار وبات التلفزيون يشعر بألم الصحف الورقية، وهو الأمر الأول الذي دفع بالإعلامي هشام حداد بالإنضمام إلى منصة “صوت بيروت انترناشونال”، ويقول لـ”نداء الوطن” إن إدارة المنصة قد قدمت له عرضاً مادياً جيداً، و”نحن اليوم بحالة انهاك مادي هائل، والتلفزيونات اللبنانية وضعها سيئ ولا يمكن مطالبتها بأي “زودة” أو دفع بالدولار، أو ما يعادل الراتب الأصلي بالليرة اللبنانية على أساس سعر السوق المتغير يومياً، فدرست العرض بتأن أو توقفت بعض الشيء عند كون المنصة مملوكة من أحد الوجوه الطامحة سياسياً في لبنان، لكن تجربة الزميل طوني خليفة شجعتني إذ إنني لم ألمس أي تدخل إداري بالمضمون الذي بنى أسس برنامجه عليه، وبرأيي تجربته ناجحة و”حكي اللي بدو اياه” واستضاف شخصيات من كل الأطياف السياسية من دون حسيب أو رقيب أو قمع، ولم يتم إلزامه بخط سياسي واحد دون آخر وبالتالي وجدت أن هذا الموضوع لن يؤثر على أدائي”. ويتابع: “أنا غير مسؤول عمّن يملك المحطة بل مسؤول عما سأقدمه من محتوى وعن التصريحات التي تصدر عن لساني، والأكيد أن بهاء الحريري لم يجمع ماله من الدولة اللبنانية وبالتالي لا أقبض من مال المودعين على عكس بعض من يعمل في محطات تلفزيونية معروفة وحزبية، أكثر من نصفهم يقبض من أموال المودعين والإعلانات الممولة من المصارف”.
وبعد الاعلاميين ماريو عبود وطوني خليفة وهشام حداد، اعلنت الإعلامية ديانا فاخوري، المعروفة في تقديم نشرة الأخبار، خبر اتخاذها القرار بان تصبح جزءاً من اسرة “صوت بيروت انترناشونال”، حيث اشارت الى انها انطلقت في محطة “ام تي في” وهي ممتنة لها ولكن الظروف تحتّم الانتقال، لافتةً الى ان المستقبل بات لـ”الويب تي في”.
برنامح صوت الناس
المرأة في “صوت بيروت انترناشونال”
عندما نقارن نسبة النساء العاملات في الصحافة اللبنانية بشكل عام، مع نسبة النساء في المناصب التحريرية العليا، نجد أنه في غالبية الوسائل الإعلامية، هناك عدد كبير من العاملات كصحافيات منهن من النساء بين كبار المحررين في منصة “صوت بيروت انترناشونال”، وبخلاف العديد من المؤسسات الإعلامية، تشغل النساء مواقع حساسة وأساسية وهو أمر وجدته المراسلات في المنصة “جوهرياً ورمزياً”، فمن يدير الأقسام هنّ نساء في مواقع القرار، ونجد مثلاً أن فريق المراسلين والمراسلات تديره إمرأة وفريق البرامج المختلفة أيضاً تديره إمرأة. وبالإضافة إلى أن جزءاً أساسياً من مشروع المنصة يتعلق بالمرأة وستكون هناك برامج نسوية تُعنى بقضايا المرأة وتوفر مساحة آمنة لها.
وتقول مراسلة منصة “صوت بيروت انترناشونال” سارة شحادة لـ”نداء الوطن” إنها انضمت إلى فريق المراسلين مع انطلاقة ثورة 17 تشرين، وهي الإنطلاقة الثورية التي أسهمت في تحقيق نجاح واسع للمنصة. وأنه وعلى الرغم من أن هناك “تحولاً في التغطيات الإخبارية نحو استعمال الوسائل الرقمية أو الفيسبوك، وبالرغم من أن ما تستخدمه من معدات بسيط وسلس وسريع ومختلف، إلا أن أساسيات الصحافة لم تتغير كالالتزام بأخلاقيات المهنة وعدم التعدي على خصوصية الأشخاص في البث الحي والمباشر، وطرح الأسئلة الصحيحة والتغطية بمصداقية”. وبرأيها، إن ما يميز العمل في منصة الكترونية هو الإحتكاك المباشر مع المتابعين وتفاعلهم الحي مع أي قصة تتم الإضاءة عليها، لدرجة أن البعض يرسل اقتراحات لقصص إخبارية مختلفة، وبالتالي يجري بناء جمهور متفاعل من المتابعين يكون دورهم كدورنا، إيصال صوت الناس، بمجرد مشاركتهم لتغطياتنا وبمجرد ضغط “شير” تصل أحياناً تغطياتنا حول العالم، فمثلاً كان لي تجربة مهمة في تغطيتي لأحداث ما بعد انفجار 4 آب “وكيف استقطب الفيديو الذي كنت فيه ببث مباشر ملايين المشاهدات من لبنان وخارجه. وعليه، فتح الإعلام الرقمي باب تحقيق نجاح عالمي في ما لو أراد ذلك، ويكون نجاحاً يضاهي أي تلفزيون عالمي، وربما من هنا تماماً جاء وصف “انترناشونال” في إسم منصة صوت بيروت”. وعلى الرغم من الإنطلاقة الواعدة، إلا أن الأمر لا يخلو من بعض المشاكل، إذ تعرّض المراسل ربيع شنطف وزميله المصور محمود السيد، البارحة، للإعتداء أثناء تغطيتهما لحادثة حريق شقة في منطقة زقاق البلاط. وفي التفاصيل، فقد ضربتهما عناصر حزبية، وحطمت معداتهما وصادرت العناصر “المنضبطة” هاتف شنطف بعدما أجبرته وزميله على قطع البث المباشر على فيسبوك، مرددين عبارة “عم تسب السيد” وذلك بحضور بعض عناصر الجيش الذين تمكنوا من التدخل وإبعادهما عن المكان وبعدها نُقلا إلى المستشفى لتلقي العلاج.