IMLebanon

الزيجات تتراجع… والقبلات مؤجّلة

 

سهرات الأعراس تُزاوج بين الحفل الإفتراضي والميداني

 

هي لحظة إنتظرتها رانيا بفارغ الصبر، اليوم التي سترتدي فيه فستانها الأبيض، وتقول “نعم” أبدية تتويجاً لقصة حب عمرها 3 سنوات. لم تتوقع التوقف عن التحضيرات قبل اشهر قليلة من موعد زفافها… فلا حفل زفاف أو شهر عسل على شواطئ “المالديف” و”لا من يحزنون”، بل حفل بسيط في شهر ايلول يقتصر على الأهل داخل الكنيسة، تنتهي مراسمه مع جملة “يمكنك تقبيل العروس”.

 

اليوم الذي تنتظره الصبية بفارغ الصبر لإقامة حفل زفاف كبير أصبح صعب التحقيق. بيأس تقول رانيا: “بالاضافة إلى أزمتي الإسكان والمصارف والارتفاع المخيف في الأسعار، جاءت “كورونا” لتقضي نهائياً على “حلم” ليلة العمر وإقامة حفل زفاف في مثل هذه الظروف. الفكرة لم تعد واردة، وسيقتصر العرس على الاهل داخل الكنيسة، ومن بعدها “كل واحد ع بيتو”.

 

 

هذه حال كل ثنائي ينتظر يوم زفافه، فبعد جائحة الكورونا، وتردي الوضع الاقتصادي، لن يشهد لبنان احتفالات زواج اسطورية ولا “Grand mariage”. فهذه السنة، لم يفتتح فصل الربيع موسم الأعراس أو عمل منظمي الحفلات وغيرهم، أفشل الفيروس خطط الراغبين بالزواج، كما شلّ انتاجية هذا القطاع المهم في الاقتصاد اللبناني كما بالنسبة الى سائر القطاعات الاقتصادية. فتراجعت أعمال الشركات المتخصصة بتنظيم الأعراس إلى 95 في المئة، فألغيت مواعيد الزفاف في غالبية الكنائس. وقد لا يكون الوضع بهذا السوء، ولا سيما مع تحول حفلات الزفاف في لبنان قبل “الكورونا” الى استعراض كبير تسيطر عليه الأجواء المبهرة، الممزوجة بالبذخ المبالغ فيه، الى درجة باتت كلمة “نعم” التي يقولها العروسان تكلفهم مصاريف باهظة جدّاً، دفعة واحدة أو بالـ”تقسيط” غير المريح، وقد تتخطى كلفة عرس بسيط عادي 20 ضعف الحد الادنى للاجور.

 

في هذا الصدد، تُبدي شركات تنظيم الأعراس والحفلات والمؤتمرات تفاؤلاً باستعادة القطاع نشاطه مجدداً عند انحسار وباء كورونا، بعدما تراجعت أعمالها بشكل كبير، ولامست التوقف التام لولا بعض الحلول التي ابتكرتها، ومنها الحفلات الإفتراضية عبر الإنترنت (Online)، لكنها تتوقع نمطاً جديداً يتمثل في التوجه نحو الحفلات الصغيرة ذات العدد المحدود من المدعوين، سواء بفعل الأزمة الاقتصادية أو مراعاةً لضرورات التباعد الاجتماعي. كريستينا خاطر، صاحبة شركة “Kristie’s Agency” تشير الى “تراجع عمل الشركة بدرجة 70 إلى 80 في المئة منذ 17 تشرين الأول 2019، وفي ظل ظروف التعطيل لمواجهة تفشّي فيروس كورونا ورغم الشلل الذي أصاب هذا القطاع، نحاول التكيّف مع الواقع الراهن من خلال الابتكار، ونعمل مثلاً على تحويل الأنشطة الميدانية إلى نشاطات افتراضية، تجمع الميداني والافتراضي، ونوفّر حلولاً خلاّقة في هذا المجال”.

 

الشكل الحديث لاحتفالات الزواج

 

التراجع في نشاط عمل شركات التنظيم أثّر سلباً على فريق عملها الميداني، فمثلاً تضم شركة “Kristie’s Agency” أكثر من 200 طالب لبناني، يصل عددهم في موسم الذروة إلى نحو 400، جميعهم توقفوا عن العمل، لذلك تسعى الشركة إلى إيجاد طرق جديدة لتأمين استمرارية الفريق، وتقيم لهم لهذا الغرض دورات تدريبية على طرق العمل الجديدة عبر الإنترنت، في انتظار انتهاء هذه المرحلة الصعبة. وتبدي خاطر تفاؤلها “بانطلاق العمل مجدداً بعد انتهاء مرحلة كورونا، ولكن لا شكّ أنّ الكثير من الأمور ستتغير في كل الأنشطة، فالحفلات والمؤتمرات وسواها لن تكون بعد اليوم كما كانت”.

 

فكيف سيكون شكل حفلات الزفاف من اليوم وصاعداً؟ تجيب خاطر: “نعمل على التكيف مع المتطلبات الجديدة التي فرضها الفيروس، وبالتالي ثمة بروتوكولات جديدة سنطبقها، تراعي معايير السلامة والتباعد الاجتماعي، وفق إرشادات منظمة الصحة العالمية. وطبعاً قبل دخول المدعوين سيتم فحص حرارة أجسامهم، وسنبقي على الطاولات الكبيرة، ولكن بدلاً من أن يجلس إليها عشرة أشخاص مثلاً سنكتفي بأربعة. أما البوفيه فلن يكون في مكان واحد، بل سيتم توزيعه على جهتين أو أكثر من موقع الحفلة. وستكون الشوك والسكاكين معقمة وموضوعة داخل أكياس. وثمة إجراءات أخرى أيضاً، مثل حرصنا أن يضع المدعوون كمامات، على أن تكون ذات تصميم مميز عن الكمامات العادية الموجودة في السوق. ومن المتوقع أن يكون الاتجاه في المرحلة المقبلة نحو الأعراس الصغيرة مع عدد محدود من المدعوين، سواء بسبب وباء كورونا، أو بسبب الضائقة الاقتصادية. ولن يخشى المحتفلون بعد الآن عتباً من أحد، فالجميع سيتفهّم سبب حصر الدعوات، وهذا أمر ينطوي على تغيير اجتماعي كبير”.

 

تغيير تحضيرات الزواج في الكنيسة

 

شهدت الكنائس، إلغاء عدد كبير من الزيجات المقررة سابقاً، بسبب جائحة الكورونا، رغم أنها حاضرة لمباركة وتزويج كل ثنائي ينوي الارتباط كنسياً، ولكن بحسب شروطها. يقول الكاهن ايلي الخوري إنّ “الزواج، سر من اسرار الكنيسة السبعة، لهذا تحيطه بأهمية كبيرة، وتعطيه مكانة خاصة في لاهوتها وفكرها، إلّا أنّ الظروف الاستثنائية فرضت تحضيرات استثنائية. وبما انّ الزواج مشروع حياة يهدف لتأسيس العائلة، فالتحضير له واجب، ان كان بالنسبة للتحضيرات بعيدة المدى التي ترتكز على تعزيز الحب بين الثنائي، والتزامهما بتعاليم الكنيسة والثبات في الصلاة، أو من ناحية التحضيرات المباشرة ومتابعة دورات الزواج، وتعرّف الثنائي على بعضهما البعض بطريقة مسيحية.

 

لا تساوم الكنيسة على أهمية الاحتفال بسر الزواج، وتصر على تأسيس العائلة وفقاً لتعاليمها وكلمة الله، لذلك بدّلت في طريقة تحضيرها لهذا السر، فألغت اللقاءات داخل المطرانيات والأبرشيات، واستبدلتها بلقاء فردي بين كل ثنائي وكاهن على انفراد، تحضّراً لزواج مبارك. من جهة أخرى، يتميز الاحتفال الليتورجي داخل الكنيسة، بأنه حفل راعوي عام، وبالتالي الجميع مدعو للمشاركة فيه. ولكن اليوم، يقتصر الاحتفال بالحب على اقرب المقربين، حفاظاً على صحة الناس وقدسية الحياة التي وهبها الله للانسان، لذلك باتت الكنيسة لا تستقبل إلا عدداً محدوداً من الأهل داخلها، مع ضرورة الالتزام بالتباعد الاجتماعي، أمّا بالنسبة لارتداء الكمامات داخل الكنيسة فهو قرار يحدده كل كاهن في كنيسته”.

 

لا بدّ للحب أن ينتصر…

 

ويبقى الحب مغامرة لا تحلو تفاصيلها إلّا مع اشتداد صعوبة الظروف. مغامرة تتطلب ثنائياً شجاعاً، يتجرأ على التقدم بخطوات ثابتة، بعيداً من التمثيليات والمزايدات. من هنا يأسف الخوري على “إلغاء مواعيد الزفاف المقررة سابقاً، ولا سيما بسبب عدم امكانية التحضير للاحتفالات الكبيرة”، مشدداً على أنّ “الكنيسة تبارك الاحتفال بالزواج بعد الاكليل، وتثني على أهمية مشاركة الفرح والغناء والرقص بين العائلتين، وهذا يدخل ضمن تقاليدنا وتراثنا اللبناني المسيحي. ولكن في السنوات الأخيرة، باتت هذه التقاليد تنحرف عن مسارها البسيط، وتتخذ اشكالاً غريبة وبعيدة عنّا. ونذكّر بأهمية العودة الى جوهر الاحتفال، والاختصار من الزوائد التي لا تشبهنا، وبالفعل أصبحنا اليوم نرى أن هناك مَن يتزوج ويحتفل بطريقة بسيطة عفوية، بعيداً من المظاهر والـ”بابازيات”. وفي النهاية، أشجع كل ثنائي على الحب والزواج وتأسيس العائلة مهما اشتدت الظروف، وأحبّوا بعضكم بعضاً بطريقة بسيطة تشبه جوهركم، وليس على الطريقة التي يفرضها المجتمع عليكم. ولا تخافوا، فالحب سينتصر على جميع مخاوفكم ومصاعبكم”.