Site icon IMLebanon

اسبوع القرارات الصعبة والاختبارات الحساسة

٣ رهانات على المستقبل السياسي والاداري:

جمهورية في الانتظار وكتائب في التجربة والقوانين الانتخابية

فوجئ اللبنانيون بالكاتب الجليل جوزف ابي خليل، وبه وقار شيخوخته، يعلن باسم حزب الكتائب اللبنانية، قرار فصل وزير الكتائب سجعان قزي الذي ظل يمثل حزبه في حكومة تمام سلام، عامين ونيف، وبعد اعترافه انه يمارس نصف انصياع لقرار الحزب بالخروج منه مع انه كان يوصف بأنه اقوى حزب سياسي في لبنان، مع زميله الوزير آلان حكيم، الاول اختاره الرئىس الشيخ امين الجميل ليتولى حقيبة العمل، والثاني فاجأ به رئىس الحزب الجديد الشيخ سامي الجميل، ليتولى وزارة الاقتصاد الوطني.

ثلاثة آراء ظهرت الاسبوع الفائت، لماذا اختاروا النائب الاول لرئيس الكتائب جوزيف ابو خليل ليعلن طرد الوزير سجعان قزي من حزب الشيخ الجليل بيار الجميل. ولماذا فصلوا وزير العمل من حكومة توزعت مكاتبها بين الضاحية الجنوبية وبناية اللعازرية الشهيرة في قلب بيروت، وهل كان قرار الحزب المفاجئ، نهاية غير مستحبة للرئيس الجديد، بعدما سجل بداية ايجابية لنائب شاب يرئس للمرة الاولى حزب الكبار في السياسة اللبنانية.

كان سجعان قزي قطعة مسلوخة من قلب رئيس الجمهورية الراحل بشير الجميل. وبعد اغتيال بشير بأربعة ايام، وقف النائب ادمون رزق وبايع الشيخ امين برئاسة جمهورية فقدت رئىسها. وهو في أوج شبابه والعنفوان، ثم كرت سبحة المبايعات.

عندما انتخب الشيخ بشير للرئاسة الاولى كان معه والده الشيخ بيار، وبعض اركان الحكم اللبناني، وفي الطليعة الرئىس الياس سركيس، على الرغم من العداوة التي بررتها مواقفه، وحشد من النواب، ساروا الى انتخابه في ثكنة الفياضية بدعوة من رئيس البرلمان كامل الاسعد. لكن، بعد مبايعة الشيخ امين بالرئاسة، ايده الرئىس صائب سلام الذي كان يتردد على قصر بعبدا، للوقوف الى جانب الياس سركيس في آخر ايام جمهوريته.

لكن، بعد استتباب الامور للرئيس امين الجميل غاب عن الساحة الشاب سجعان قزي، وغادر الى باريس، وبعد سنوات عاد الى بيروت، وتلقفه في الحقبة الاخيرة رئىس الحزب والرئىس السابق للجمهورية الشيخ امين الجميل، واختاره ليكون وزيرا للعمل باسم الحزب، بعد سنوات عجاف برز خلالها وزير حزبي جديد تولى حقيبة الشؤون الاجتماعية، وكان صاحب رؤية جديدة اكتسبها بين ترحاله الى جنوب شرق آسيا، وبين وجوده في العاصمة الفرنسية باريس.

الا ان سليم الصايغ الوزير وصاحب النزعة الحزبية العصرية اختاره حزب الكتائب اللبنانية بين الثلاثي الحزبي المؤلف من الشيخ سامي الجميل، والكاتب الكبير جوزف ابي خليل والوزير السابق الذي تحار في تسميته هل هو رائد للفكر العصري في الكتائب، ام صاحب نزعة تجديدية، على يمين الرئىس الشيخ امين الجميل، الذي آثر الابتعاد عن القيادة الحزبية، واختار العودة الى بيته المعروف باسم بيت المستقبل المعقل الفكري اللبناني العريق. على الرغم من ان بكركي عدته في اثناء معركة رئاسة الجمهورية بين الاربعة الكبار المرشحين لرئاسة الجمهورية: الشيخ امين، الرئىس ميشال عون، النائب سليمان فرنجيه والدكتور سمير جعجع.

الا ان الوزير سجعان قزي فوجئ بعد انصياعه لقرار الحزب بالانسحاب من الحكومة بقرار فصله منه، وبالاستاذ جوزف ابي خليل يتلو البيان على المواطنين.

ظل الوزير سجعان قزي انيقا في الشكل وفي الكلام، وكان وزيرا لبنانيا في وزارة العمل، اكثر منه وزيرا كتائبيا، وهذا ما كان يغير اصدقاء الحزب ويضر بهم.

في العام ١٩٧٢، كان الرئيس سليمان فرنجيه يحتفل في عرينه اهدن بذكرى ١٧ آب وهي مناسبة فوزه برئاسة الجمهورية. وكان حزب الكتائب يعقد خلوة لعدة ايام في الارز، وفي طريق العودة عرج الكتائبيون على عاصمة مصايف الشمال، وعندما دخلوا الى المدينة، راح الكتائبيون يطلقون النار بغزارة في الاجواء، وعرجوا على المقر الصيفي الموقت لرئاسة الجمهورية الامر الذي اساء الى رئىس الجمهورية الواقف بين الحشود والى جانبه الوزير خليل ابو حمد. وعندما شاهد رئيس الكتائب يتقدم لمصافحته بادره ب نرفزة سياسية: ما هذا يا شيخ بيار؟

الا ان الشيخ امين الجميل والشيخ بشير الجميل ومعهما سجعان قزي سارعوا الى تطويق غضب الزعيم اللبناني الكبير، الذي كان يمثل قيادة لبنانية كبيرة في تلك الحقبة الدقيقة من تاريخ لبنان السياسي، معززة بتأييد عربي ودولي.

وبعد سنوات كبر الشرخ بين العائلة السياسية العريقة. والحزب اللبناني الاخذ في الاتساع والانتشار. يومئذ اتسعت الفجوة السياسية، بين الوزير الراحل طوني فرنجيه والحزب اللبناني، وعقدت سلسلة اجتماعات في بكركي لم تنته الى مصالحات، بل الى مفارقات. ويومئذ قام زغرتاويون باغتيال الكتائبي جو البايع المحسوب بانه من اصدقاء بيت فرنجيه في شكا البلدة الساحلية، على الرغم من انه مسؤول بارز في حزب الكتائب، وتبعه قرار كتائبي على مستوى عال، بالصعود الى اهدن وخطف الوزير طوني فرنجيه، وذات صباح من ايام الخريف كان خريف اهدن قاسيا. كان الرئيس سليمان فرنجيه في بيته الكائن في محلة النقاش، عندما شاع خبر الهجوم على اهدن من ناحية زغرتا وعرجس وايطو، وصعود الكتائب الى اهدن واقتحام قصر الرئيس فرنجيه، واغتيال ابنه الوزير طوني فرنجيه مع زوجته فيرا وطفلته جيهان وفي الصباح توجه الرئيس رينه معوض والنائب الاب سمعان الدويهي الى النقاش لاصطحاب الرئيس فرنجيه الى اهدن، وكان قرار اسود اتخذه الرئيس فرنجيه بوضع الكتائب امام خيارين: اما مغادرة منطقة الشمال، او الانسحاب من حزب الكتائب. ويقال ان الخارج ساهم بالحرب من الداخل، حيث سقط نحو ثلاثين قتيلا في ما سموه مجزرة اهدن ويقول الرئيس فرنجيه انه اختار القرار الصعب تداركا لوقوع انتقامات لا تحمد عقباها. في ذلك الوقت كان رئيس الجمهورية الياس سركيس في باحة القصر الجمهوري في بعبدا، عندما ابلغوه بحدوث مجزرة اهدن، فضرب كفاً بكف وقال انها حرب المائة سنة بين الموارنة.

الا ان العفو عما مضى شق طريقه وحدثت مصالحات ومصاهرات جزئية خلال المعارك الرئاسية، وزار الوزير السابق والنائب الحالي بلدة كفرعبيدا الواقعة عند جسر المدفون مدخل محافظة الشمال وقصد منزل الشاب الذي تردد انه كان في اغتيال والده الوزير والنائب طوني فرنجيه، ومعه القرار الزغرتاوي الشهير عفا الله عما مضى.

الا ان الصفحات القاتمة في تاريخ حزب الكتائب، فتحها مجددا قرار حزب الكتائب برئاسة النائب الشيخ سامي الجميل بفصل الوزير سجعان قزي البشيري الطالع، والذي استطاع الرئيس السابق للجمهورية الشيخ امين الجميل من الغائه وفتح صفحات جديدة، خصوصا بعد اغتيال وزير الصناعة الشيخ بيار الجميل الحفيد ومعه شعاراته التي دخلت بسرعة الى قلوب اللبنانيين: بتحب لبنان حب صناعته.

الا ان الوزير سجعان قزي التزم الكتائب، بعد اغتيال بشير الجميل، لكن الحساسية الحزبية لم تندحر امام رغبات انية لا تزال مجهولة، ادت الى اعلان فصله من الحزب واستمراره في تصريف الاعمال الوزارية.

قرارات انتخابية

والاسبوع الفائت تجاوزته بسرعة احداث كبار قادها رئيس البرلمان نبيه بري، بما يملك من حنكة وخبرة، ابرزها اعداد قوانين حزبية، بعد قرار شامل بطي موضوع التمديد للمرة الثانية للمجلس النيابي الحالي، وسط اصرار شجاع من الجميع، على عدم التمديد للمجلس النيابي الحالي، واعلان وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، باجراء الانتخابات النيابية في الخريف المقبل بعد ربيع زاهر باجراء الانتخابات البلدية في لبنان، واجراء الانتخابات النيابية في جزين وفوز النائب امل ابو زيد، واعلان الرئيس بري ان النواب ذاهبون الى مواجهات قد تقود الى حرب سياسية في حال اعتماد قانون الدوحة المعروف بقانون العام ١٩٦٠.

ناقش النواب عدة مشاريع جاهزة او مؤجلة ابرزها قانون فؤاد بطرس الوزير من ايام فؤاد شهاب وقوانين اخرى ساهم في تطويرها الوزراء زياد بارود، مروان شربل، ونهاد المشنوق.

وبين الفينة والفينة، يطفو على وجه السحارة المشروع القديم المعروف ب قانون الدوحة. الا ان النواب لا يستمرئون قانون الدوحة لكنهم يستسهلون الذهاب مجددا الى قانون الستين بعد اعتماده في مؤتمر الدوحة.

وفي غمرة التساؤلات طلع النائب سامي الجميل بانتخابات نيابية على الطريقة الفردية. الا ان تشعب الافكار، وغروب الحلول، يوحي، بان لبنان قد يستسهل العودة الى قانون الدوحة اذا ما تقررت الانتخابات النيابية، ولم يتقرر بعد اي قانون انتخابات نيابية. وهذا ما جعل الناس والنواب خصوصا يعودون الى قانون فؤاد بطرس المختلط بين النظامين النسبي والاكثري.

الا ان المراجع السياسية، تتساءل بدهاء او بذكاء، عن مصير الانتخابات النيابية وسط دعوات يطلقها منذ بداية شهر رمضان المبارك الرئيس سعد الحريري، لتجديد الحياة السياسية، وتحريرها من الرتابة الحزبية، وسط اصرار منه على التحرر، بادئ ذي بدء، من سلاح حزب الله وشروط العماد ميشال عون، قبل اجراء انتخابات نيابية على قاعدة ابعاد الفراغ السياسي عن البلاد بعد مرور ثلاث سنوات وبضعة اشهر على انحسار الحياة النيابية والسياسية.

ويقول الوزير زياد بارود ان نتائج الانتخابات البلدية، تحكم على البلاد ولوج الانتخابات النيابية، لان الوضع في لبنان تأكد انه ممسوك ومؤهل لمعظم التجارب السياسية، وغير ذلك هو مجرد ذرائع باتت تفقد مبرراتها السياسية، وصدقيتها الوطنية على الرغم من حدوث اخفاقات فردية، في بعض المناطق.

ويقول الوزير مروان شربل، الضليع في الشؤون والشجون الانتخابية ان مجرد تكرار الامور المعلقة، هو تعليق للبنان على سلم الاخطار والأوزار الانتخابية.

وفي رأي الوزير السابق سليم جريصاتي ان لبنان مرشح لعدة احتمالات ابرزها التغيير والتحديث على قاعدة تطوير المشاريع الانتخابية على كل صعيد، لأن الجمود والتجميد عدوان للواقع السليم الذي يغزو العالم، ويتحرر من الذهنيات البالية، التي ساهمت ولا تزال في استبعاد القوانين وترجيح التمديد المرفوض، لدى معظم المراحل الحزبية والآنية.

ولعل في اقوال الوزراء السابقين للداخلية من عبد الله اليافي وصائب سلام وشفيق الوزان، ما يشير الى ان القوانين هي مراجع للافادة، لا للعرض في واجهات المكاتب.

كان الرئيس كميل شمعون يردد في مجالسه الخاصة والعامة، ان العلم يعلّم الناس التزاهة والتجرد والمسؤوليات، وان كل من تغيب عنه هذه المعالم، يسقط في تجارب لا تؤهله لتجاوز العقبات التي تعترضه.

كان الرئيس شارل حلو يقول للذين يأخذون عليه تردده، انه لم يكن يخاف على القانون بل كان يخاف على البلاد، وانه عندما كان في القصر الجمهوري في منطقة سن الفيل، زاره الرئيس تقي الدين الصلح، وطلب منه الا يتأخر في البت بأي قانون لأن التأخير شبيه بالتقصير الذي يصاب به الطالب قبل تقديمه اي امتحان، ذلك ان الجرأة في نظره نصف الطريق نحو الأفضل.

وفي احد الايام الغابرة، سمع الرئيس كميل شمعون، من الوزير سامي الصلح، ما يُنبىء بمصاعب آتية، عند طرح اي موضوع على التصويت، لكنه كان يقول دائماً، ان التصويت هو الخيار الافضل بين الأسوأ وما هو أسوأ منه.

ولعل الحكمة عندما تغيب عن السياسيين، تغيب معها الحنكة في تصور الامور سليمة امام المصاعب.

وهذا ما جعل الاقدام شعاراً يتسلح به رواد المشاريع الخلاقة عند طرحها على التصويت.

في غضون ذلك تبدو الحكومة تعبانة الى حد الارهاق، لأن معظم القطاعات الشعبية لا تجد لها مخرجاً من الازمة، الا اذا توافرت حلول لمعظم القضايا العالقة بين هذا السعي وذاك.

ويقول المفكر السياسي فريد الخازن، ان معظم العاملين في الخط السياسي، مضطرون الى ممارسة المراهقة السياسية حيناً، او اللجوء الى المناقشة السياسية والتي في الامرين حاجة ماسة الى التجديد في الاعراف كما في الأساليب.

ويرى معظم الغيارى على الوطن ان مصلحة الجميع، تجاوز العقبات، بغية الوقوف على رهانات هي اقرب الى المراهنات منها الى التسويات.

ويعتقد كثيرون ان التسويات تكون احياناً اصعب من الركون الى اساليب صعبة في الميزان السياسي.

ويعتقد المفكرون، ان الرهان على التجديد هو بمثابة رهان على التغيير، لأن الشعوب ترى في التجديد خطوة متقدمة على صعيد جمهور التجديد.

ويقول الاديب كريم سمسار زاده، انه طلع من خبرته للرئيس سليم الحص بفكرة اساسية مفادها ان التغيير هو أنبل وأحسن أنواع التغيير في العصر الحديث.