على الرغم من المراوحة الظاهرة في مسألة انجاز قانون الانتخابات النيابية العتيد، فإن المواقف المعلنة لعدد غير قليل من القوى السياسية توحي بأن الساعات المقبلة ستحمل في طياتها توافقاً على تجاوز العقد التي عطلت ولادة هذا القانون، وحسم الجدل حول هذا القانون، ليدخل لبنان مع جلسة مجلس الوزراء، التي تعقد في القصر الجمهوري في بعبدا، برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، يوم غد الاربعاء، وجلسة مجلس النواب التي أرجأها الرئيس نبيه بري من 12 الى 16 الجاري، مرحلة جديدة تطلق الدخان الابيض لولادة هذا القانون.. خصوصاً وأن «الجميع» يشددون على وجوب الافادة من «الفرصة المقامة» التي قد لا تتكرر، فيكون لبنان وقع في فخ الخيارات الصعبة و»القاتلة» بنظر البعض..
الذين التقوا الرئيس نبيه بري في الأيام القليلة الماضية خرجوا بانطباع واضح، وهو ان رئيس المجلس لن يساوم على مواقفه وعلى وجوب حسم مسألة قانون الانتخاب قبل 19 حزيران الجاري.. وهو يرى ان بين يومي الاربعاء والجمعة ستكون فرصة «حاسمة» او «فاصلة» باتجاه انجاز قانون الانتخابات العتيد.. وهو على اتصال لم ينقطع مع رئيس الحكومة سعد الحريري، وقد استعجله على ضرورة انجاز القانون، فكان موقف الحريري متجاوباً الى أبعد الحدود باعلانه بعد لقائه رئيس الجمهورية (أول من أمس) ان «أجواء الرئيس عون ايجابية» داعياً الى «وجوب الاسراع في انجاز قانون جديد للانتخابات.. وانهاء صياغته قبل جلسة مجلس الوزراء يوم غد الاربعاء..».
في قناعة عديدين، ان هوامش المناورات ضاقت أكثر كثيراً مما كان يعتقد البعض، الأمر الذي دفع قيادات درجة أولى في «حزب الله» الى تزخيم اتصالاتهم ومشاوراتهم ودعواتهم «الحلفاء قبل الآخرين..» الى وجوب «تقديم تنازلات..» على خلفية «ان كل الذين يناقشون بالتفاصيل، من مصلحتهم ان يقدموا تنازلات لاجراء الانتخابات النيابية، وفق قانون جديد، غير القانون المعمول به حالياً، والذي أعلنت وفاته، أقله في الظاهر، قانون جديد اتفق الافرقاء كافة على خطوطه الاساسية والعريضة، واختلفوا عند الدخول في التفاصيل..» خصوصاً وأن القناعات التي تولدت عند غير فريق – والمنطقة تشهد من صراعات دموية تجاوزت كل السقوف والحدود – ان لبنان بات مهدداً في كيانه ووحدة شعبه وأرضه بأزمات سياسية واجتماعية ومعيشية، اضافة الى أزمة النازحين واللاجئين التي فاقت كل التوقعات والحسابات وباتت تشكل قلقاً وجودياً» لدى البعض، وفوق كل ذلك الفلتان الأمني والسلاح المتفلت من كل قيد، و»تستباح معه الحياة والحقوق والكرامات، وينتشر التفلت والنهب والسرقة والاعتداءات من كل حدب وصوب ومن كل نوع.. «فيما المسؤولون السياسيون منشغلون بحسابات مصالحهم الخاصة على قاعدة زيادة الربح وتصغير الخسائر..» على ما قال البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، ويكرره عند كل مناسبة وعظة..
هناك من يأخذ على «الطبقة السياسية» ادارة الظهر لكل ما يجري، وحصر اهتماماتهم بقانون جديد للانتخابات ولا يحرزون أي تقدم يذكر، وهم يدورون في حلقة مفرغة من التفاصيل، التي بنظر البعض لا تقدم ولا تؤخر وبنظر البعض الآخر، تشكل حاجة حيث «ان القانون بحاجة الى ضوابط واصلاحات، وحتى يصبح مكتملا ويعطيهم الحقوق الكاملة..» وفق الوزير باسيل..
يأمل عديدون، في ان لا تصل الأمور في البلد، وعن سابق تصور وتصميم البعض الى أحد «الشرين»: التمديد المفتوح لمجلس النواب، وقد اعتاد على ذلك مرات عديدة، او الفراغ في المجلس النيابي، و»كلا الأمرين، على ما يقول البطريرك الراعي يشكلان خطراً على البلد وكيانه ووحدة مؤسساته».
لا ينكر متابعون لمجرى المشاورات التي تدور وراء الكواليس وفي الغرف المغلقة ان هناك فريقا أساسياً يصر على تمسكه بـ»الطروحات التعجيزية»، وهو، على ما يبدو، غير عابىء بما يمكن ان تؤول اليه التطورات، وان جاء ذلك تحت يافطة «ان لبنان يحتاج الى علاج سياسي حقيقي.. وهو لا يكون بصحة جيدة اذا لم يكن التمثيل الشعبي سليماً وصحيحا وصحياً..».
لقد كانت الاجتماعات الأخيرة بين «التيار الحر» و»أمل» و»حزب الله» و»تيار المستقبل» كافية للدلالة على خطورة الدوران في حلقة «التفاصيل التعجيزية» وان كان من الصعب بلورة صيغة نهائية لما آلت اليه المشاورات والاتصالات.. على رغم ان هناك من يؤكد ان الاتفاق على القانون الانتخابي العتيد «حاصل حتماً» قبل 19 حزيران الجاري، وان العاملين على وضع صيغته النهائية لم يعد أمامهم أي وقت اضافي لانجاز هذه المهمة، لاسيما وان «النقط الخلافية» المتبقية التي يتمسك بها «التيار الحر» هي هي، وتدور حول فكرة «ان يكون الصوت التفضيلي على أساس الطائفة لاعلى أساس القضاء على رغم اتفاق الغالبية على ان يكون من خارج الاحتساب الطائفي والمذهبي، كما تدور حول فكرة تمثيل المغتربين وتخفيض عدد مجلس النواب من 128 نائباً الى 120 نائباً..