ليس في الأفق ما يوحي أنّ المجموعة «الخماسية» ستحقق مبتغاها من حراكها الذي استأنفته في الساعات الماضية للتوصل الى تقصير مهلة خلو سدّة الرئاسة من شاغلها. فعطلة عيد الفطر التي فضّلت تجاوزها بين جولتيها الأولى والثانية، لم تشهد أي تغيير في خريطة المواقف، لا بل انّها تعقّدت، الى درجة اعتبر أحد أعضاءها «اننا كلما مشينا خطوة الى الامام نعود اثنتين الى الخلف». وعليه كيف يمكن ترجمة هذه المعادلة؟
بنصاب خماسي كامل جمع أعضاءها سفير المملكة العربية السعودية وليد بخاري، سفير الجمهورية الفرنسية هيرفيه ماغرو، سفير دولة قطر سعود بن عبد الرحمن آل ثاني، سفير جمهورية مصر العربية علاء موسى وسفيرة الولايات المتحدة الاميركية ليزا جونسون، أجرت «الخماسية» الديبلوماسية العربية والدولية جولتها الاولى على القيادات اللبنانية، وأمضت يومين ما بين الثامن عشر والتاسع عشر من آذار الماضي في جولتها الاولى التي شملت كلًا من رئيس مجلس النواب نبيه بري، والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، الرئيس الأسبق للجمهورية العماد ميشال عون، رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع والرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، من دون أن يثبت حصول اي تقدّم بعدما تعدّدت الروايات والسيناريوهات التي لا تنبئ بأي جديد محتمل.
ولما اقرّت اللجنة بنصف فشلها في التوصل الى اي خطوة يمكن اللجوء إليها لتسهيل التفاهم على عقد جلسة انتخابية لانتخاب رئيس للجمهورية، تعدّدت التبريرات التي انتهت مهما اختلفت في مضمونها على أنّها ستستأنف حراكها بعد عيد الفطر بسبب غياب السفراء العرب الثلاثة لاضطرارهم لتمضية عطلة عيد الفطر في بلدانهم، الأمر الذي لم يثبت بعدما ظهر معظمهم في بيروت في مناسبات علنية عدة إحداها عشية العيد، وهو ما أدّى الى البحث في أسباب أخرى أقرّت بها اللجنة من أجل أخذ مزيد من الوقت في مناقشة بعض الخيارات التي يمكن أن تُخرج مهمّتها من عنق الزجاجة، لاستحالة اعلان تجميد عملها اياً كانت العقبات التي تواجهها كما اقرّ به أحد أعضاءها بوضوح وصراحة.
وبناءً على ما تقدّم، وفيما بُنيت الآمال على معطيات جديدة أفضل من تلك التي رافقت الجولة الاولى وما انتهت اليه، استأنف السفراء جولاتهم أمس الاول، فالتقوا مجتمعين عدداً من الكتل النيابية التي قبلت دعوة السفير المصري إلى نهار ديبلوماسي وسياسي خُصّص للبنان في دارته في دوحة عرمون، وشملت وفداً من نواب كتل «التوافق الوطني»، «تجدد»، «التغييريين» و«الطاشناق» قبل أن تقصد أمس رئيسي تيار «المردة» سليمان فرنجية و«الكتائب اللبنانية» وكتلة نواب «كتلة الاعتدال» في محاولة جديدة لخرق الجمود الحاصل على مستوى الاستحقاق الرئاسي تزامناً مع بروز مجموعة من العوائق التي كان بعضاً منها مرتقباً منذ نهاية الجولة الاولى، نتيجة التشدّد الذي عّبر عنه الأفرقاء المعنيون بمواقفهم، عدا عن تلك التي جاءت بها الايام الاخيرة من مفاجآت رفعت من منسوب القلق، ليس على مستوى الوضع في لبنان فحسب إنما على مستوى المنطقة والعالم.
وعند الدخول في التفاصيل اعترف أحد أعضاء اللجنة لصديق له على هامش اليوم الديبلوماسي في السفارة المصرية، بأنّ العوائق ازدادت وأنّ الآمال التي بنيت على حراك اللجنة مباشرة منذ ان تقرّر القيام بهذه الجولات تبخّرت بنحو متقطع وفي محطات متعددة، الى أن تراجعت بنسبة كبيرة نتيجة التطورات الاخيرة، ولا سيما الهجوم الإيراني «المبرمج» بكل «المعايير العسكرية والقانونية والديبلوماسية والسياسية» التي عبّرت عنها العملية العسكرية غير المسبوقة ضدّ اسرائيل. وما انتهى اليه الـ«ويك آند الإيراني» من ترددات كبرى شغلت العالم وأفرغت «الفضاء الدولي» في عدد من الدول من اي حراك «مدني طبيعي». وما بُذل من جهد قدّمته الدول الكبرى والاقليمية التي أُدرجت على لائحة «القوى المنخرطة في المواجهات الدائرة في قطاع غزة» بكل اشكالها، وانعكاساتها على المنطقة من اليمن الى العراق وسوريا والاردن ولبنان واليمن وما بين مضيقي هرمز وباب المندب» منذ السابع من تشرين الاول الماضي وفي مقدّمها ما سمّاه «دولنا الخمسة».
وأضاف الديبلوماسي المتعمّق في كثير من التفاصيل، لم تعد النتائج التي انتهت إليها جولتنا الاولى ذات اهمية، ولم تعد الأمور متوقفة عند ما تحقق وهو هزيل، فبعض ما شهدناه من أحداث لم يكن «متوقعاً» ولم يُدرج على لائحة حساباتنا الدقيقة في زوايا متعددة. وخصوصاً تلك التي شهدت مناقشات «غير طبيعية» شكّلت «خروجاً عن المألوف وعن الموضوع الذي تجنّدت من أجله اللجنة». وإن أضفنا الى كل هذه المعطيات ما شهدته وانتهت إليه بعض اللقاءات غير المعلن عنها التي أُجريت بين كبار المسؤولين في بلداننا تبدو الامور اكثر تعقيداً. فمن رصد حركة الإتصالات التي جرت لا يمكنه تجاهل ما جرى من تواصل متقطع بين باريس وواشنطن والرياض والقاهرة والدوحة من جهة، وعلى هامش ما جرى ما بين طهران والدوحة وأنقرة من جهة اخرى، والتي أوحت بمجملها بانسداد الأفق نظراً لعدم توافر أي مخرج للمأزق الداخلي، بعدما تشابكت المواقف لتعكس في شكلها ومضمونها ما يشبه تلك التي نواجهها بين الأطراف اللبنانيين. لا بل فانّ بعضاً منها عزز الخلافات بدلًا من ان تعطي أملاً بإمكان التلاقي في ما بينها على الأقل، بما يؤدي الى الفصل بين الاستحقاقين الأمني في لبنان والمنطقة من جهة والاستحقاق الدستوري الخاص بلبنان.
وما لم يقله الديبلوماسي بعباراته المنمقة، ترجمه بإشارته السريعة في نهاية المحادثة بقوله ما معناه: «ما الذي يمكن أن ننتظره وما يمكن أن نجنيه إن جاء ما يوحي بـ«ويك آند اسرائيلي» يتوقعه البعض في نهاية عطلة الأسبوع الجاري بعد «الويك آند الإيراني» الماضي. وهو ما ترجمه المتلقي اللبناني بما يعني تنبؤاً بإمكان ان تردّ اسرائيل بشكل من الأشكال على العملية الايرانية، وهو أمر سيرفع حجم المخاطر التي لا تقف انعكاساتها الخطيرة على الداخل اللبناني بمقدار ما يمكن أن تنقاد اليه المنطقة. وبذلك تتحقق المعادلة التي تقول، كلما خطونا خطوة الى الأمام يأتي من يعيدنا خطوتين إلى الخلف».
ويُفهم من كل ما تقدّم، انّ اللعبة الاقليمية ليست «مسرحية» ولا «مهرجاناً عابراً» إن صحت التوقعات السلبية، وما سيكون لها من انعكاسات قد تقود المنطقة برمتها الى مكان آخر يُنسي المتعاطين معها ما يجري في لبنان وربما في غزة أيضاً. وما يزيد في الطين بلة إن تقدّمت القيادات العسكرية في مواجهتها مع القيادات الديبلوماسية الى مكان ينهي السباق القائم بينهما، لندخل في حقبة خطيرة لطالما نبّه كثر منها قبل انتهاء ولاية الرئيس السابق للجمهورية، ولم يتجاوب من بيده قرار الحرب والسلم معها، ولم ينفع تجاوب من شاركهم هذه المخاوف الى أن تحولت وقائع لا نقاش فيها.