ما هكذا تورَد الإبل معالي الوزير جمال الجرّاح… وما هكذا توقَّعنا أن يكون نهج وزارة الاتصالات، ولا يحقّ لك معالي الوزير ان تتصرف هكذا، وأنت الآتي على تضحيات كبار 14 آذار وثورة الأرز المدفوع ثمنها بدمِ الاجلاّء من الشهداء، الرجال الرجال.
هل نسينا كل هذه التضحيات يا معالي الجرّاح، وهل صارت الناس، جماهير ثورة الأرز الآتي منها، وهل صار الشعب اللبناني كله رخيصاً إلى هذا الحدّ، كي تخاطبه بهذه الطريقة وبهذه العبارات غير اللائقة؟
نشرَت أمس إحدى الصحف معلومات وتقارير تفصيلية تتحدث عن تجاوزات وتطرح شكوكاً وأسئلة حول صفقات وتلزيمات في الوزارة. وكنا ننتظر منك أن تردّ عليها بالمعلومات والوقائع فتكشف الحقائق للرأي العام مرة ولكل مرة، وأنت المؤتمن على المسؤولية أمامهم، ولهم عليك حقوق.
ولكن، وبدلاً من الجواب المقنع ومقارعة الحجّة بالحجة واحترام الناس وعقولهم، عمدتَ إلى الاستخفاف بهم، وكان جوابك على تويتر: بالوزارة لا في لحمة ولا عظمة لنرميها للبعض… بالكتير كارت تشريج.
***
لتكن عندك يا معالي الوزير الجرأة التي تمتّع بها شهداء ثورة الأرز الذين دفعوا غالياً ثمن مواقفهم ولم يتراجعوا، وأبَوا إلا أن يشهدوا للحق والحقيقة، ولا شيء سوى الحقّ والحقيقة، ولم يختبئوا وراء أصابعهم ويتلطوا وراء كلام مخصص بالامثال لغير صنفنا نحن الناس.
اللحمة والعظمة يا معالي الجرّاح لا تقال للناس المحترمين من أبناء بلدنا، الصابرين الصامدين، بل تقال لأنواع معروفة من الكائنات الحيّة. وهذا مؤسف حقاً حقاً.
***
يحقّ لك يا صاحب المعالي أن تقول إن الحملة عليك ظالمة، وهي محض افتراء، ولكن عليك أن تردّ بالوقائع. ويمكنك أن تقول إن المعلومات المنشورة ليست صحيحة أو مفبركة أو للضغط عليك لسبب ما، ولكن عليك أن تكشف الحقيقة.
أما أن تكتفي بتغريدات من بضعة أسطر على تويتر، وتعتقد أن الناس سينخدعون بها ويصدقونك، فهذا ليس من شيم من كان في 14 آذار قبل زوالها، فشعبها ذكي، تعلّم الكثير من التجارب، ومرّت عليه اشكال وانواع مختلفة من المسؤولين.
اللبنانيون الذين أرسلتَ لهم عبارات اللحمة والعظمة يا معالي الوزير يدفعون لك ولسواك الراتب، وحملوا 127 نائبا سواك الى المقاعد النيابية. وإذا كنت تعيش اليوم في عليائك وبرج وزارتك العاجي، وتظن أنك حصَّلت المنصب المرموق، فاعلم أن عليك دَيناً لهذا الشعب الطيّب يجب أن تردَّه له.
***
قيمة الإيرادات الواردة إلى الخزينة من وزارة الاتصالات تقارب المليار و400 مليون دولار سنوياً. وهذا الرقم قد يكون أعلى الإيرادات غير الضرائبية التي تجنيها الخزينة. فكيف إذاً تقول يا معالي الوزير ليس في الوزارة لا لحمة ولا عظمة؟ وأما كروتَة التشريج التي تربّح الناس جميلة بها، ف خَلّيها لمن يحبّ جميلَكَ عليه.
***
الشعب اللبناني ويبدو انك لست من الكادحين منهم، في أسوأ أحواله، بعدما أفرغتم كل ما في جيوبه، ألم تسمعوا صراخ الفقراء الذين يعصف بهم الجوع، لكنهم صابرون لأن كرامتهم تمنعهم حتى من الشكوى؟
ألا ترى الشباب اللبنانيين الواقفين على أبواب الجامعات، المتفوّقين عِلماً وأخلاقاً وكرامة، والحالمين بالمستقبل، لأنهم عاجزون عن دفع أقساط باتت تكويهم كالنار؟
بعضٌ من ملايين الوزارة يا معاليك، وبعض من أموال أوجيرو وسواها، لماذا لا تذهب إلى العائلات المستورة الصامدة الصابرة، ولماذا لا توضع في خدمة هؤلاء الطلاب المحبطين بسببكم، وبوجودكم أنتم وأمثالكم، بالدرجة الأولى؟
معالي الوزير اخطأت وجرحتَ الشعب اللبناني جرحاً بليغاً مؤلماً ودامياً. لقد أدميتَ فيه اللحمة وأوجعتَه حتى العِظام.
لغة اللحمة والعظمة لها صُنْفَها، وليست لمدرسة الشهداء الأبرار التي جئت على اسمها إلى وزارة الاتصالات!