من الواضح أن التطورات العسكرية والمجريات الحربية الميدانية في غزة أو في الجنوب، باتت كالبوصلة التي يمكن من خلالها تبيان ما إذا كانت المنطقة بأسرها أمام حرب استنزاف طويلة الأمد، فالأسئلة كثيرة ولا أجوبة شافية، لا سيّما في لبنان جراء الفراغ الحاصل على صعيد المواقع السياسية الأساسية كافة.
وفي هذا السياق، سألت “الديار” النائب السابق والعميد المتقاعد وهبه قاطيشا، عما إذا دخلت “إسرائيل” بحرب استنزاف طويلة، فأجاب: “أكيد إن الحرب طويلة ، ولكن ليست حرب استنزاف، لأن “إسرائيل” هي التي تتحكّم بمصير الحرب، نظراً لإمكاناتها وطاقاتها العسكرية وأسلحتها الفتّاكة، أما بالنسبة لطول هذه الحرب، فإن ذلك عائد إلى أن “إسرائيل” تسير في غزة كمن يسير في حقل ألغام، نظراً لوجود الرهائن “الإسرائيليين” ومنهم من الأجانب أولاً، وأنها تحارب في منطقة سكنية، وهذه من أصعب الحروب ثانياً، لذلك هي تتطلّب الكثير من الوقت، نظراً لخطورتها والخسائر الجسيمة التي ستتكبّدها في الجنود الذين سيدخلون إلى غزة، وهذه ليست بحرب استنزاف”.
وعما إذا كانت المنطقة ستتغيّر مستقبلاً في ظل الحديث عن الترسيم، استبعد هذا الأمر مؤكداً أن “أحداث غزة ستؤثر في كل الساحات، وأكبر دليل على ذلك التحرّك الحوثي في اليمن والتحرّك في العراق وفي سوريا، ولن تؤدي إلى إعادة رسم المنطقة، لأنه ليس باستطاعة الإسرائيلي تهجير أهالي غزة إلى خارجها، ولا سيّما أن عدد سكانها يفوق مليونين ونصفا، وليس بإمكان أي بلد تحمّل هكذا أرقام من النازحين، ولكن ما يحصل اليوم هو عملية اقتلاع حركة حماس من غزة، والدليل أن “إسرائيل” بدأت تتوغّل في القسم الشمالي للقطاع، وتعمل بتروّ لأن هذه الحرب ليست كلاسيكية، ومن المؤكد أنه في حال سيطر الإسرائيلي على القسم الشمالي، سيطلب من أهالي غزة الموجودين في الجنوب التوجه إلى القسم الشمالي لاستكمال عملياته في الجنوب، لأن الهدف الأساسي هو كسر حماس، وأن تكون غزة مستقبلاً مع السلطة الفلسطينية، أو تحت سلطة مصرية، وهذا ما هو ظاهر عن الأهداف الإسرائيلية”.
وعن ملف النازحين السوريين، أشار إلى أن “كل الملفات مجمّدة في هذه المرحلة، ولا أحد يفكّر في ملف النازحين، وأصلاً لم يكن أحد يهتم في إيجاد حلول لهذا الملف، ولا أحد يفكِّر بلبنان لأننا لسنا دولة، فلا رئيس جمهورية ولا حكومة، لذلك فإن ملف النزوح سيبقى معلّقاً، ولن يتمكن لا الرئيس نجيب ميقاتي ولا الوزير عبدالله بو حبيب، من مقاربته، ولا نية لديهما أصلاً في ذلك”.
وحول ما إذا كان الملف الرئاسي ينتظر نتائج حرب غزة، رأى أنه “علينا أن ننسى الملف الرئاسي، وهو كان منسياً قبل الحرب الدائرة اليوم، وأعتقد أن الحرب ستطيل أمد الفراغ إلى أجل غير مسمّى، وليس من المؤكد أنه في حال انتهاء الحرب يصبح انتخاب الرئيس في لبنان محتماً، فحلّ الملف الرئاسي هو بيد الممانعة، وهي لن تنهي هذا الملف من دون ثمن، وهذا الثمن يسدّده الخارج لا الداخل، والخارج ليس على استعداد للدفع ولا حتى بموقف واحد تجاه الإفراج عن الملف الرئاسي، فالرئاسة أصبحت بعيدة، ولا أدري إلى أين نحن ذاهبون بمصير البلد عندما سيبقى كرسي الرئاسة في بعبدا شاغراً لفترة طويلة، لذلك لا علاقة للرئاسة بأحداث غزة نهائياً”.
وكأنك متخوِّف على مستقبل البلد؟ أجاب “أكيد في ظل عدم قدرة اللبنانيين على التوافق على انتخاب رئيس أو حكومة ولا انتخابات، فعلى الخارج أن يجد الحل في حال لم يتمكن مَن في الداخل من إيجاده، فلا يمكن الاستمرار في الوضع الراهن، وأنا أخاف على وحدة البلد”.
وما إذا كان لبنان في جهوزية تامة لخوض حرب اليوم، ذكّر قاطيشا، بمبدأ في العسكر يقول: “أنه لا يوجد حرب جيدة ولا يوجد سلام بشع، ، ولبنان غير جاهز للحرب فما هي المصلحة اللبنانية لخوض الحرب؟ لا شيء سوى في حال خوضها خدمة للخارج، فالشعب اللبناني بغالبيته أثبت أنه لا يريد أي حرب مهما كانت”.