IMLebanon

«راجح» والكهرباء… والكيد السياسي

نأسَف للتوتّر الذي حصَل في لجنة الاشغال والذي أتى نتيجة الاحتقان الذي ولّدته الاتهامات العشوائية غير المبنيّة على وقائع. نحن نكنّ كلّ الاحترام لرئيس لجنة الاشغال العامة ولكن نتمنّى أن يُدقّق علمياً بالمعلومات التي تَصل الى مسامعه، فهذه المعلومات غير دقيقة وبالتالي ردات الفعل حولها غير دقيقة أيضاً.

انطلاقاً من المشهد في لجنة الاشغال، بات من الواضح أنّ إقحامَ السياسة في الاقتصاد والشؤون الاقتصادية وعدم تحليل الواقع الاقتصادي بتجرّد وقراءة المعلومات من ذهنيّة علمية غير مشوّشة بالارتباطات السياسية هو ما أوصلنا الى ما نحن فيه من ويلات اقتصادية.

ففي أيّ بلد آخر في العالم، الإشكال على مثال الإشكال الذي حصل في لجنة الاشغال كان سهلاً حلّه كونه واضحاً بالمستندات والأرقام ولا مجال للجدَل حوله، إلّا في لبنان يتحوّل التسييس الى مرض قاتل يَقضي حتى على المنطق الاقتصادي ويُضيّع الرأي العام غير المطّلع أساساً على الأرقام ولا يهمّه القراءة في علم الاقتصاد، بل يتبنّى آراء زعمائه كما هي من دون تدقيق أو محاسبة.

المرفأ خير دليل على ذلك، يتقاضى أكثر من 250 مليون دولار ضرائب سيادية حسب نوع البضاعة، لا تدخل الى خزينة الدولة ولا مَن يسأل ولا مَن يُحاسب. الاحتكارات الخاصّة والعامة التي تضيق حلقة الاقتصاد بدلاً من أن تُوسّعها وتمنع عنه التنافس وغيرها الكثير.

انطلاقاً من ذلك لنُقارب موضوع الكهرباء الذي تمّ تضييعه في خضمّ الصراعات السياسية الى درجة ضاعت الحقائق العلمية والواقعية، وسأقارب الموضوع من منظار اقتصادي علميّ بَحت، بحسب ما قرأت وشاهدت من المستندات الموجودة.

لقد تمّ إطلاق بروباغندا إعلامية مفادها أنّ وزير الطاقة التابع لتكتل «التغيير والاصلاح» صرَف مبلغ مليار و200 مليون ولم يُعالج خطة الكهرباء. إنّ هذا القول بحدّ ذاته هو تحريف فاضح للوقائع، ومسيرة الوزير جبران باسيل في هذا الملف واضحة وضوح الشمس، ومن الممكن لأيّ كان الاطلاع على تفاصيلها.

لم يُصرف المبلغ المخصّص للخطة وكلّ قرش مرّ من خلال مجلس الوزراء وإدارة المناقصات، خرَج من الخزينة مبلغ 10 ملايين دولار لقاءَ استشارات ودراسات والاشراف والرقابة، ومبلغ 320 مليوناً للمصنع المموّل من HSBC بكفالة من EKF لم تستحقّ، ويُدفع عند الاستحقاق.

لقد أقرّت حكومة الوحدة الوطنية مجتمعة ورقة سياسة قطاع الكهرباء في 21/6/2010 التي باتت ملزمة للحكومات المتعاقبة والإدارات المعنية لجهة إلتزام الخيارات التي إعتمدتها والمشاريع التي تضمّنتها. ومن بينها خطة الطوارئ أو ما عرف بخطة الـ700 ميغاواط التي تضمّنت مشاريع معامل الإنتاج الجديدة في الذوق والجية ودير عمار إضافة الى مشاريع النقل اللازمة لها ومشاريع التوزيع.

وأقرّ مجلس النواب بتاريخ 5/11/2011 القانون البرنامج 181/2011 الذي أجاز للحكومة اللبنانية عقد كامل الإعتماد حتى قبل توافر إعتمادات التمويل كما السعي الى تأمين التمويل الخارجي لهذه المشاريع.

أيْ أنّ الخطة تمّ الاتفاق عليها بالاجماع، والقانون البرنامج تمّ إقراره خلافاً للقانون حيث حُصِر الملف في يد مجلس الوزراء وليس في يد الوزير، وربما الوزير جبران باسيل هو الوزير الوحيد الذي قبِل بإنقاص صلاحياته مقابل القيام بالإصلاحات اللازمة لتأمين الكهرباء، ولم يُعرقل حينها على رغم المسّ بصلاحياته التي ضمنها دستور الطائف.

وبعدها جرت المناقصات في إدارة المناقصات التابعة للتفتيش المركزي التابع بدوره الى رئاسة الحكومة، وجرت الامور كافة بالطرق القانونية المعروفة. وحاول البعض في الحكومات الماضية التفتيش والتمحيص والاتهامات المبطنة، لكنّهم لم يلحظوا أيّ إخلال نهائياً وكان هذا الموضوع في السياسة ومن ضمن محاولة فاشلة لإدخال الوزير باسيل الى نادي الفساد.

إلّا أنّ وضعَ العصي في الدواليب بدأ حين تحجَّجت وزارة المال بأنّ هناك تعديلات في العقد، وجمّدت معاملات صرف الفواتير للشركة المتعهّدة مدة 8 أشهر ما أدّى الى توقف العمل وتراكم المطالبات بغرامات بلغت تقديرياً 137 مليون يورو لتاريخه.

والغريب عدم الافصاح عن هذه التعديلات ممَّن اتَّهم، وجوقة المعارضين كلّها لا تعلم ما هي هذه التعديلات. علماً أنّ وزارة الطاقة أثبَتت عدم وجود أيّ تعديلات في العقد عبر توقيع المتعهّد نفسه التراجع عن التعديلات وبالتالي لا أساس علمياً لإيقاف التمويل، بل عرقلة سياسية لا أكثر ولا أقل. وفي الواقع لا يحقّ لوزارة المال التوقف عن الدفع قانوناً لأنّنا هنا نتكلم عن معاهدة دولية والتوقف عن الدفع يعود الى مجلس الوزراء مجتمعاً، وعندما عُرض الموضوع على مجلس الوزراء، قرّر دفع المستحقات، فهل هذا المجلس كلّه متواطئ؟

وبرَزت عقدة مفتعلة أخرى تتعلق بالضريبة على القيمة المضافة في عقد تشغيل مصنع دير عمار علماً أنّ ردّ ديوان المحاسبة بقراره الرقم 652 / ر.م. في 6/4/2013 جاء ليحسُم الجدال لجهة أنّه «من الطبيعي عدم تضمين العقد الضريبة على القيمة المُضافة ريثما يتمّ تحديد مصدر التمويل»، بحيث إنّ القانون البرنامج 181 / 2011 حثّ على السعي الى تأمين تمويل خارجي الأمر المعفى من الضريبة على القيمة المضافة.

أمّا القرار الذي جاء بعد أكثر من سنة أنه يتوجّب دفع الـTVA على العقد، فجاء خارج المهل القانونية الادارية ـ ولكن المهم هنا هو اتهام البعض أنّ العقد الاساسي كان يشمل الـTVA وهذه نظرية غريبة لأنّ القانون يفرض أن تكون الـTVA في خانة وحدها في العقود والفواتير.

هل تصل مخيلة احدهم أنّ بإمكان شركة سرقة الـTVA؟ للأسف إنّ من يُوزّع التهم لا يفقَه أنّ الـTVA ليست ضريبة على الشركات إنما ضريبة على القيمة المضافة يدفعها المستهلك. وفي هذه الحال المستهلك هو الدولة اللبنانية ممثلة بكهرباء لبنان.

ويأتي بعد كلّ ذلك مَن يتّهم عشوائياً بالسرقة على رغم اطلاع كامل مجلس الوزراء بكلّ أفرقائه على كلّ تفاصيل الملف وحثياته.

هذه تجربة صغيرة ممّا يفعله الكيد السياسي بلبنان واقتصاده، فبدلاً من أن تتضافر الجهود لإيجاد حلول فعالة لملف الكهرباء، تتمّ العرقلة على حساب المواطن وحقوقه.

إنّ توقف العمل في معامل انتاج الكهرباء يُكبّد لبنان خسائر أكثر بكثير من كلّ ما تمّ طرحه زوراً. المطلوب إخراج الحقوق الاقتصادية البديهية للمواطن اللبناني من حلقة التجاذب السياسي وتسجيل الاهداف الوهمية، أما بالنسبة إلى الوزير الذي يجب أن يدخل السجن، فالمحكمة المالية التي نطالب بها هي الكفيلة بوصول مَن يجب أن يكون في السجن. والظريف أنّ الجميع مع هذه المحكمة المالية في الظاهر، لكنّها لا تتحقق.