Site icon IMLebanon

… أهلاً بنا أيضاً

 

كأنما لا يكفي ما يعانيه ما تبقى من الصحافة اللبنانية من مشقّات (بعدما أغلقت صحف عريقة كالسفير والأنوار والبلد والمستقبل) تتصل بالتوزيع والإعلانات، حتى يضاف إلى كل ذلك القمع والخطوط الحمر والسقوف المحددة لها؟ كأنها عودةٌ إلى أساليب المرحلة العضومية السيئة الذكر في عهد الوصاية السورية التي كانت سيفاً مصلتاً على زعماء المعارضة والصحافة المؤيدة لها في تلك الأيام السوداء.

 

عندما صدر العدد الأول من “نداء الوطن” اتصلت بصديقي وزميلي بشارة شربل (رئيس تحريرها) وقلتُ له: “أنتم تقومون بمغامرة كاملة الأوصاف. تصدرون جريدة يومية في زمن غروب الجرائد. وأكثر: أنا أشارككم هذه النبرة النقدية السياسية الضرورية أصلاً لكل وسيلة إعلام. أشارككم هذه الشجاعة، هذه الدقة وهذا الحرص على الحرية ومصلحة الوطن. أي أشارككم كسر أنماط اللهجة الاعتذارية لكل ما يتحضّر لهذا البلد من مُحاولات تصفية كل من يُعارض أو ينتقد، أي محاولات تصب في تغيير النظام من ديموقراطية ليبرالية إلى أخرى غير ليبرالية. على غرار تركيا أردوغان، ومجر فيكتور أوربان، وإيران خامنئي”.

 

وها هي الصحيفة الجديدة، تتعرض لبراثن سلطة قمعية بقناعٍ قضائي تستخدمه كأداة ترهيبية. إن المانشيت التي استُخدمت لتحويلكم الى القضاء باعتبار أننا نعيش نوعاً من الاحتلال الإيراني هي حقيقةٌ دامغة لا ينفع معها لا التضليل ولا القمع ولا الشعبوية. فالسيد حسن نصرالله، الوكيل الحصري للنظام الإيراني في لبنان يُعلن بصراحة وعلى امتداد سنوات انه الحاكم الوحيد بأمره في لبنان. بل قالها قبله بعض قيادات هذا النظام نفسه: “لبنان المحافظة الإيرانية الثلاثة والثلاثون”. وها هو نصرالله لا يُعلن ولاءه لإيران فقط قبل عدة أيام، بل سبق أن عبّر عن ذلك قبل أشهر: “نعم نحن حزب إيران، أموالنا وعتادنا وسلاحنا ومالنا منها”.

 

فلماذا لم يُسائل القضاء “حزب الله” عن الاعتراف العلني بارتهانه التام لدولة أجنبية؟

 

أيُسمحُ “للحزب” بأن يقول: “إذا تعرضت إيران لأي اعتداء، فسنشعل الحروب في كل مكان”. حزبٌ يشارك في الحكومة وفي البرلمان وفي المؤسسات ويفتح دُويلة على حسابه، تنطلق منها قرارات الحرب والسلم… “فالقرار لي، لا للجيش ولا للحكومة ولا لرئيس الجمهورية”.

 

فلنتذكر أنه بعد العدوان الإسرائيلي بالدرون على الضاحية، أحال السيد حسن الجيش وقوى الأمن الى مهمات أمنية وإجرائية لمواجهة المهربين والخارجين عن القانون، وأحال الحكومة الى دور دبلوماسي فقط، وهذا يعني بالنسبة إليه أن ليس الجيش من يحمي الحدود والبلد، ولا الحكومة تتخذ القرارات المصيرية، بل هو، أي إيران.

 

إذاً خطا تركيب النظام الحالي خطى سريعة وحثيثة نحو “فرسنة” البلد، ربط “الحزب” لبنان وأهله وأرضه بمحور الممانعة الممتد من النظام السوري إلى الحشد الشعبي في العراق إلى الحوثيين في اليمن. إذاً نحن صرنا من دون أن ندري ضمن محور ضاربي الشرعيات العربية ومهجّري شعوبها كما يحصل في سوريا.

 

ولكي تكتمل فصول الهيمنة الشاملة يجب قمع الصحافة والإعلام كبندٍ من بنود هذه الهيمنة وشرطٍ من شروطها: تعطيل دورها القائم أصلاً على الدفاع عن السيادة والحريات، ويجب في المقابل تكوين قضية قضائية تتناسب مع الهدف: هذا ما جرى في قضية قبر شمون، عندما كانت تُعد العدة على وليد جنبلاط بتلفيق تهمٍ عليه شبيهة بالتُهمة التي أُلصقت بسمير جعجع في زمن الوصاية. وهل ننسى مجريات قضية الفنان عيتاني، عندما بُرّئت الضابطة التي لفقت له تهمة العمالة لإسرائيل وتعرض للتعذيب والضرب في الوقت الذي تم التغاضي عن مخالفات وجرائم تمت في عهدة الكانتون المذهبي: أين صارت قضية تزوير الأدوية (والمرتكبون معروفون) وأين صارت قضية تهريب المخدرات والكبتاغون وترويجها؟ هل اتخذ القضاء علماً بالمعارك التي دارت قبل أيام بين “الحزب” وبين مهربي الحشيشة في البقاع على خلفية تقاسم الحصص والمغانم.

 

إذاً تأتي مسألة “نداء الوطن” ضمن سلسلة طويلة مُحكمة يديرها مايسترو “الحزب”، وبتواطؤ كبير مع بعض الموجودين في السلطة لإسكات كل صوت يرتفع سواء كان إعلامياً أو غير إعلامي… لتمرير مؤامرة استكمال شروط الهيمنة الفارسية على لبنان… بل جعله جزءاً من مشروع إيران الامبراطوري في المنطقة.

 

من هنا نقول: إننا لا نستنكر ما تتعرض له “نداء الوطن” فحسب، بل نشاركها دورها الوطني والديموقراطي في مواجهة هذه الاتجاهات البربرية في لبنان ونستنكر تجاوز قانون المطبوعات من خلال استدعاء رئيس التحرير ومديرها المسؤول جورج برباري من قبل النائب العام في المحكمة التمييزية، إلى جلسة تُعقد في قصر عدل بيروت على خلفية عنوان نشرته على صفحتها الأولى قالت فيه: “سفراء جدد في بعبدا… أهلاً بكم في جمهورية خامنئي”.

 

فأهلاً بنا نحن اللبنانيين أيضاً في جمهورية خامنئي العظمى.