Site icon IMLebanon

الغرب يُصنّف لبنان «بيئة خصبة بالمشكلات» خلال ٢٠١٦

بين النتائج التي عاد بها الوفد النيابي من الولايات المتحدة الأميركية التي قصَدها لاستدراك تداعيات العقوبات الأميركية على «حزب الله» بحيث لا تؤدي الى الإضرار بما تبقّى من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، وبين المعلومات التي تتساقطها بيروت من محافل سياسية غربية عن مقاربتها للوضع الراهن في لبنان، ترتسم صورة ضبابية لا يمكن إخفاء حجم القلق الكبير الموجود في ثناياها لجهة ما هو مقبل على البلد أمنياً واقتصادياً وسياسياً.

ملخّص هذه الصورة المتقاطعة لجهة أنّ معلوماتها مستقاة من أكثر من جهة غربية، يؤشّر الى المعطيات والوقائع اللافتة الآتية:

أولاً- سمع الوفد النيابي اللبناني الى الولايات المتحدة الاميركية تأكيدات من واشنطن بأنّ استقرار لبنان الأمني خط أحمر؛ وكذلك الحال بالنسبة إلى استقرار قطاعه المصرفي. وسمع تأكيدات بأنّ القرارات التي ستُتّخذ بغرض «تجفيف مصادر تمويل حزب الله»، سيتم تمحيصها والتدقيق فيها قبل اتخاذها حتى تأتي مضامينها خالية من أيّ تأثيرات سلبية على الاقتصاد اللبناني.

وسمع الوفد أيضاً أنّ السعوديين يبالغون في موقفهم من لبنان، وبكلام آخر أظهرت الآراء الاميركية المنسوبة إلى أعضاء في الكونغرس أنّ واشنطن لا تغطّي الموقف السعودي السياسي والعملي المستجدّ من لبنان وهي تُشدّد على ضرورة ألّا تؤذي الحرب على «حزب الله» مصالح لبنان الاقتصادية والسيادية.

ثانياً- المواقف الآنفة التي نقلها الوفد النيابي اللبناني عن واشنطن، توضح ترجمتها الحقيقية والدقيقة المواقف العملية غير المعلنة التي اتخذتها دول غربية كبرى من لبنان خلال الأسبوعين الماضيين والتي رصَدتها «الجمهورية» من مصادر غربية.

ويُظهر هذا الإيضاح أنّ دولاً مثل بريطانيا وألمانيا وغيرهما، قرّرت اعتبار لبنان في ظل ظرف احتدام النزاع المباشر بين السعودية و«حزب الله»، بمثابة «بيئة خطرة» ما يستدعي تجميد كلّ أنشطتها السنوية المعتادة فيه، مثل التوقف عن تقديم التمويل المقرّر لهذه السنة إلى جمعيات المجتمع المدني في لبنان، وإجراءات أخرى على شاكلتها.

توضح هذه المعلومات أنّ الدول الغربية الكبرى قرّرت النأي بنفسها عن لبنان خلال هذه الفترة وذلك لاعتبارات عدة تراها مهمّة ولها الأولوية في حساباتها بخصوص مقاربتها للوضع اللبناني:

أوّلى هذه الاعتبارات تقع في أنّ هذه الدول لا تريد القيام بأيّ سلوك في لبنان يوحي بأنّها تغطّي الموقف السعودي الراهن من لبنان أو تعارضه.

ثانيها، تريد هذه الدول انتظار نتائج نزاع الإرادات المباشر بين الرياض وحزب الله لترى ماذا ستكون نتيجته. ويشبه هذا الواقع فترة سماح للسعودية لكي تجرّب سياسة العصا الغليظة في لبنان ضدّ الحزب.

الثالث، التجسيد العملي الذي يعتمده الغرب للمبادئ الآنفة التي تُحدّد مقاربته لمستجدات الوضع اللبناني، يتمثل في اعتماده سياسة النأي بنفسه عن الساحة اللبنانية في اعتبارها ساحة سياسية عالية الحساسية الاقليمية في هذه اللحظة وفي اعتبارها أيضاً ساحة تعتمل فيها معطياتٌ نزاعية تجعلها «بيئة شديدة الخطورة» يجب تجنّب الغرق في وحولها المتوقعة.

ماذا في تفاصيل هذه الوقائع؟

تفيد المعلومات أنّ غالبية الدول الأوروبية والجهات الدولية المانحة لمشاريع المجتمع المدني في لبنان، أوقفت أو جمّدت صرف تمويلها المقرّر ضمن موازناتها للسنة الحالية لمصلحة جمعيات عاملة في لبنان، وذلك نظراً لأنها تعتبر أنّ لبنان أصبح «بيئة خصبة للمشكلات». وتمّ تحويل معظم الموازنات المخصصة لتمويل انشطة جمعيات المجتمع المدني اللبناني الى سوريا، تحت عنوان تكثيف الجهد المديني هناك.

وبحسب هذه المعلومات فإنّ بريطانيا على سبيل المثال قرّرت بنسبة عالية وقف تمويلها لأنشطة ذات صلة بالمجتمع المدني في لبنان وبدعم مشاريع إنمائية لبنانية، وذلك طوال السنة الجارية، وهي بدلاً من ذلك ستركز سنة ٢٠١٦ على استكمال جهد تبذله بعيداً من الاعلام داخل المخيمات الفلسطينية لإنجاز إحصاء شامل وتفصيلي عن أعداد النازحين الفلسطينيين الذين استقروا فيها قادمين اليها من المخيمات الفلسطينية في سوريا، وأيضاً إنجاز ملف إحصائي تفصيلي عن أحوال اللاجئين الفلسطينيين في لبنان سواءٌ لجهة أوضاعهم الاقتصادية والسياسية والامنية والاجتماعية أو علاقة الجهات المانحة بهم وعلى رأسها وكالة «الأونروا» المتجهة الى تعليق كثير من مساعداتها اليهم.

وفي التفاصيل أنّ الجهات البريطانية الرسمية المعنية أنهت في كانون الاول من العام الماضي تقريراً مفصلاً اشتمل على مسح كامل لديموغرافيا المخيمات الفلسطينية في لبنان، وحافظت الخارجية البريطانية على سرّيته وعدم تسريب معطياته للإعلام.

وتباشر بريطانيا هذه السنة تنفيذ خطة إعداد تقرير ثانٍ إحصائي ومعلوماتي مفصّل عن مخيمات لبنان، وغايته الأساسية حصر الأعداد الحقيقية للاجئين الفلسطينيين النازحين الى مخيمات لبنان من المخيمات الفلسطينية في سوريا وأيضاً للاجئين الفلسطينيين في لبنان المستفيدين من منح «الأونروا»، وجزء من هذا الجهد البحثي الميداني البريطاني يأتي مساهمة في تطبيق خطة «الناتو» لضبط تدفق النازحين من سوريا سواءٌ أكانوا من السوريين او الفلسطينيين.

ويفاد ممّا تقدم أنّ لندن المتصفة بأنّها الأكثر عناية بالملف الفلسطيني في لبنان قياساً ببقية الدول الغربية الكبرى، قرّرت هذه السنة حصر نشاطها في لبنان بالشق الفلسطيني وإهمال الساحة اللبنانية نظراً للمستجدات التي طرأت عليها، وأبرزها احتدام النزاع المباشر السعودي مع «حزب الله»، ما أثار توجسات غربية من آثاره على لبنان واستدعى بالتالي تصنيفه هذه السنة «بيئة خصبة بالمشكلات».

أما إيطاليا، فهي تدرس، بحسب المعلومات عينها، تجميدَ مساعداتها للبنان والمشتملة على حزمة هبات بينها منح للمجتمع المدني فيه. ولكنّ إيطاليا ونظراً لاهتمامها بأمن قوة «اليونيفيل» في جنوب لبنان كونها مشاركة فيها، قد تكون مضطرة لدى اتخاذ قرارها النهائي عن طريقة مقاربتها لأنشطتها في لبنان خلال هذه المرحلة، الى إبداء ميل لتمويل أنشطة إنمائية في منطقة عمل «اليونيفيل» المحددة جغرافياً بمنطقة القرار ١٧٠١، على أن تكون هذه الأنشطة محسوبة وضمن إطار مدروس ومقنّن.

وتُبدي دول اوروبية أخرى مشاركة في «اليونيفيل»، تحسّباً من إمكانية أن تؤثر التطورات الأخيرة في لبنان – أبرزها الحرب الاميركية لتجفيف مصادر تمويل «حزب الله» ووسم دول الخليج للحزب بالإرهاب – على استقرار منطقة قوة «اليونيفيل» وعلى سلاسة علاقة جنودها بالبيئة الاجتماعية اللبنانية التي تقيم بين ظهرانيها.

وتتحدث مصادر اوروبية عن أنواع محتملة من المشكلات التي قد تنشب هذه السنة في منطقة عمليات اليونيفيل (قطاع ما وراء نهر الليطاني جنوباً)، منها ما عبّرت عنه مجلة «الفورن افيرز» الاميركية أخيراً بخصوص أن يُبدي «حزب الله» ردود فعل عنيفة نظراً إلى تعاظم أزمته الاقليمية نتيجة موقف السعودية منه ونظراً أيضاً لوصول الحزب الى ما تسميه المجلة «أزمة منتصف العمر» التي قد تقوده الى جرّ الجنوب اللبناني الى أزمة!

النوع الآخر من الأحداث التي تبدي محافل غربية تقف وراء تصنيف لبنان هذا العام «بيئة خصبة بالمشكلات» الخشية منها، تتمثل في احتمال حدوث اغتيالات سياسية. وبعض المحافل يُحدّدها باغتيالين اثنين محتملين يستهدفان شخصيتين في «١٤ آذار» تنفّذهما جهات مخرّبة تدخل على خط التوتر السياسي الصاخب الحاصل الآن في لبنان.