عشية هجمات باريس التي تبناها تنظيم “القاعدة في شبه جزيرة العرب” الذي تعتبره واشنطن اقوى فروع “القاعدة” في العالم حالياً، أدلى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بتصريح قال فيه انه نادم على عدم التدخل العسكري ضد النظام السوري في صيف 2013 عندما خرجت تقارير تتحدث عن استخدام النظام اسلحة كيميائية قرب دمشق.
وبعد اسبوع من هجمات باريس، كرر هولاند الموقف نفسه. وهذا يفترض ضمناً ان توجيه ضربة عسكرية الى النظام السوري لاسقاطه، كان من شأنها ان تمنع تعرض الاراضي الفرنسية لهجمات الجهاديين الاسلاميين. غير ان التاريخ غير البعيد، يثبت ان سقوط حكم “طالبان” في افغانستان وحكم صدام حسين في العراق على ايدي القوات الاميركية الغازية انتقاماً لهجمات 11 ايلول 2001، لم يفضيا الى القضاء على التنظيمات الجهادية التي تستلهم فكر “القاعدة” الام او تلك التي انشقت عنها مثل تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش).
ويدل موقف هولاند على استمرار حال الانكار سواء في فرنسا او في الغرب عموماً، للعلاقة السببية بين اضطرابات ما يسمى “الربيع العربي” وتنامي قوة الجهاديين الذي يتقاطرون من اوروبا وغيرها الى ساحات “الجهاد” في سوريا والعراق. وحتى الانظمة التي حصل فيها التغيير مثل ليبيا واليمن لا تعيش اسعد ايامها، فما الذي يجعل هولاند او زعماء غربيين آخرين واثقين كل هذه الثقة من انه لو كان النظام السوري سقط بالسرعة التي كان يتوخاها هؤلاء لما كان الجهاديون تمتعوا بكل هذا القوة؟ وحتى وزير الخارجية الاميركي جون كيري يبرر تقاطر الجهاديين على سوريا بانه “حصل اساساً لاسقاط (الرئيس السوري بشار) الاسد”. وهذا يعني ان سفر الجهاديين الى سوريا لم يكن يلقى معارضة غربية مادام هدفه اسقاط النظام.
ولمن لا تسعفه الذاكرة، فإن هجمات 11 ايلول 2001 حصلت لأسباب لا علاقة بها لسوريا او للعراق لا من قريب ولا من بعيد. وعلى رغم ان الاستخبارات الاميركية بذلت مجهوداً كبيراً كي تقيم رابطاً بين هذه الهجمات والنظام العراقي السابق فإنها اخفقت وحتى اسلحة الدمار الشامل التي ادعى جورج بوش الأب وجودها في العراق، تبين انها غير موجودة. لكن الغزو الاميركي للعراق ألهب الصراع المذهبي بين السنة والشيعة ولا يزال.
وعندما انطلقت القوى الاسلامية الجهادية في ليبيا لاسقاط معمر القذافي، جرى ذلك تحت بصر الغرب وسمعه وبتشجيع منه، بناء على اعتقاد خاطئ أن هؤلاء يسهل التخلص منهم بعد سقوط القذافي وزوال نظامه. وتبين ان الغرب اخطأ في حساباته.
وعلى افتراض ان النظام السوري كان سقط منذ ثلاثة اعوام، هل كان العالم اكثر أماناً. الجواب قطعاً لا.