تقترب أولى حكومات عهد الرئيس ميشال عون من الاختبار الاول لها. ذلك أن عجلة صياغة البيان الوزاري انطلقت، في ظل تناقض مواقف الأطراف الحكوميين ازاء بعض الملفات السياسية. هذا إلى جانب المهمة الكبرى الملقاة على عاتق «حكومة الانتخابات» الجديدة، وهي الغوص في دهاليز صيغة انتخابية جديدة يفترض أن تأخذ في الاعتبار التحالفات الجديدة، فيما يعتبر كثيرون أن الاستحقاق النيابي المقبل سيجري وفقا لقانون الستين.
وتعتبر مصادر مطلعة ان قواعد المستقبل الاشتراكي والثنائي الشيعي ليس لديها اي اشكال حول السير في قانون الستين، الذي عمليا هو معضلة مسيحية كبيرة، من هنا خرج من يطالب بإدخال بعض التعديلات الطفيفة عليه تظهر الثنائي وكأنه حقق انجازا اضافيا لمصلحة استعادة الحقوق يسمح له بالسير بهذا القانون وتحقيق انتصارات على حساب المسيحيين المستقلين اقله نظريا بحسب الشائع اليوم.
القبول الدرزي عززه التعاون الارسلاني – الجنبلاطي، واقتناع الشارع بالخطر القادم وامكانية ذوبان الطائفة، خصوصا في ظل الرسائل المختلفة التي تصل الى المختارة من اطراف اقليمية وداخلية، ليس آخرها «قنبلة» الثنائي الشيعي بالسير بقانون النسبية الكاملة، رغم اعتبار الكثيرين انه مجرد رفع للسقف ليس اكثر، ما دفع بالبيك الجنبلاطي الى دق ناقوس الخطر. اما التيار الازرق فقد وجد نفسه مرتاحا بعدما امن التوزير لرئيسه الاغلبية المطلوبة للعودة الى الندوة البرلمانية بكتلة راجحة، بعدما وزر كل من النواب: جمال الجراح، محمد كبارة الذي اعاد خلط اوراق طرابلس واحرج الرئيس نجيب ميقاتي، ومعين المرعبي، ليعيد بذلك الامساك بمن خرج شعبيا عن «طوع» بيت الوسط.
لكن هل من رغبة لدى الاطراف الاخرى بالسماح لهذا الثنائي بتحقيق المزيد من الانجازات والنقاط على حساب من تقاسموا معه الارض طوال الفترة الماضية وإن باحجام مختلفة؟ وهل من يخوض معركة كسر شوكة الرئيس المسيحي القوي سيسمح بكتلة مسيحية وازنة في مجلس النواب قادرة على التعطيل؟
يقول مصدر سياسي ان قانون الستين سيشهد في النهاية تعديلات طفيفة ترضي الثنائي المسيحي عبر نقل بعض المقاعد المسيحية كالمارونيين في كل من طرابلس والهرمل الى دوائر يكون الصوت المرجح فيها مسيحيا، ذلك ان الرسائل الدولية التي بدأت بالوصول الى بيروت واضحة بضرورة انجاز الاستحقاق النيابي في وقته وفقا لأي قانون كان، رغم «التحفظ « المسيحي الناجم عن معضلة تصويت حلفاء الحليف، خوفا من ان تتكرر التجربة البلدية الزحلية، وهو ما قد ياتي لغير مصلحة التحالف المسيحي.
واشارت مصادر ديبلوماسية غربية الى ان الرغبة الدولية تقضي حاليا بإبقاء الستاتيكو السياسي في المجلس النيابي على حاله، انطلاقا من مبدأ «غلبة التيار السيادي» البسيطة، التي تسمح في «موازنة» سلاح حزب الله. القاعدة نفسها التي عمل بها عام 2005، ترجح المصادر ان هذا الخيار يأتي في سياق السياسة الاميركية الجديدة في المنطقة والتي ستشهد تغييرات جذرية ستكون لها تداعيات ساسية وعسكرية «حامية» على الساحة اللبنانية، خصوصا ان الفريق العسكري المحيط بالرئيس دونالد ترامب معروف «بعدائه» لحارة حريك.
فبحسب ما تجمع عليه دوائر القرار الدولية المعنية بلبنان، ان انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة بالشكل الذي تم اعاد تعزيز المظلة الداخلية الحامية للاستقرار في الوقت الراهن بانتظار ان تستقر التسويات الاقليمية، بعدما كاد الاميركيون ان ينجحوا باعادة خلط الاوراق على الساحة السورية، عبر الخلاف الروسي-الايراني والتوتر بين موسكو وانقرة، والذي بنتيجته سترسم قواعد جديدة للعبة وتوازنات تترجم حينها لبنانيا قانونا للانتخابات يعيد انتاج سلطة جديدة ونظام جديد، وهو ما سمعه اكثر من مسؤول لبناني وما حمله معه الوزير الفرنسي الى بيروت.
فجأة ومن دون مقدمات حلت العقد. توافق رئاسي هبط بالمظلة مع انطلاق معركة حلب، وتشكيلة وزارية «على بغتة» مع انتهائها، وبيان وزاري «بخلطة سحرية» بين اعداء الاستراتيجي وخصوم التكتي، حل معضلة عمرها سنوات عن ثلاثية ضاعت بين خشبية وذهبية شلت حكومات وعرقلة لجان. انه زمن العجائب اللبنانية حيث ينام اللبنانيون على عقدة مستعصية ليصحوا على حل عجيب.
هكذا بسحر ساحر، ستوضع الخلافات السياسية على الرف، فاتحة الطريق واسعا أمام صياغة سريعة للبيان الوزاري، يليها نيل الحكومة الثقة، لتقلع بعدها رسميا عجلات العهد الجديد وسط مناخات «وفاقية» قلّ نظيرها.