تقف جريمة قبرشمون بين حدّي الإحالة على المجلس العدلي، أو الاطاحة بحكومة «إلى العمل»، التي لا تزال معطّلة أو ممنوعة من الانعقاد للأسبوع الثاني، بانتظار احتواء تداعيات الحادثة، وتهدئة النفوس المشتعلة منذ «الأحد الأسود»، لكنّ المرجعيات والقيادات السياسية تدرك أن اللجوء إلى أي من الخيارين ينطوي على نتائج كارثية بكل ما للكلمة من معنى. وفي هذا الاطار، تؤكد مصادر سياسية تعمل على خطّ الاتصالات منذ وقوع حادثة الجبل الأليمة، أن «مطلب إحالة الجريمة التي أودت بحياة اثنين من مرافقي الوزير صالح الغريب على المجلس العدلي، دونها معوقات سياسية وقانونية».
وتبدو القضية أبعد من صدور مرسوم الإحالة عن مجلس الوزراء، وترى المصادر السياسية أن «الشقّ القانوني مرتبط بانتهاء التحقيقات الأولية وتقييم ما جرى على الأرض، والتثبت مما إذا كانت العملية مدبّرة مسبقاً وترمي الى خلق فتنة في الجبل، أم أنها حادثة فورية وقعت عن غير قصد، وعندها يعطي النائب العام التمييزي القاضي عماد قبلان المشرف على الملف، توصيفاً للحادثة، وما إذا كانت تستوجب الاحالة على المجلس العدلي كمرجعية صالحة للنظر فيها ام لا».
المعضلة الأكثر تعقيداً بالنسبة للجريمة، تكمن في بعدها السياسي وفق تعبير المصادر نفسها، التي تجد فيها «تصفية حسابات سياسية مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، ومحاولة لتحجيم دوره في الجبل، وتحويلة من زعيم سياسي وطني، الى متهمّ بمحاولة اغتيال وزير (صالح الغريب)، أو مدبّر لفتنة درزية درزية، وهذا ما يستحيل تمريره، خصوصاً وأن الاتهامات التي يسوقها رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان، تصوّب على جنبلاط شخصياً». ورأت أن «البعض يحاول بالفعل تحويل الحادثة المأساوية الى «سيدة نجاة» جديدة، يراد منها الانقضاض على وليد جنبلاط وحزبه، كما حصل مع جنبلاط وحزب «القوات اللبنانية» في العام 1994».
لا خلاف على أن ما حصل قسّم البلد الى معسكرين، الأول يمكن تسميته بفريق المجلس العدلي الذي يقوده ارسلان بغطاء من «حزب الله» والتيار الوطني الحرّ، والثاني «فريق المقاومة للمجلس العدلي»، ويشكل جنبلاط رأس حربته، مدعوماً من حليفه الاستراتيجي رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي يجمعه مع جنبلاط كار العداوة لجبران باسيل، وكذلك من رئيس الحكومة سعد الحريري و«القوات اللبنانية» وبالتالي فإن الانقسام العمودي لا يزال حاداً. وهنا يشدد مصدر في الحزب التقدمي الاشتراكي على أن الأخير «لا يزال يضع نفسه تحت القانون، ويطالب بأن تأخذ التحقيقات مجراها، لكن البعض يريد صدور الحكم والادانة قبل أن تبدأ وتنتهي التحقيقات الأمنية والقضائية»، وسأل «ما هو مسوّغ الهجوم الذي يشنّه أرسلان على مخابرات الجيش وبعض الأجهزة الأمنية؟، ألا تشكّل التفافاً على الإجراءات القضائية، ومحاولة ضغط لحرف القضية عن مسارها القانوني؟».
ويدور جزء كبير من الصراع حول تسليم المشتبه بهم في جريمة قبرشمون الى القضاء، حيث ترسو القائمة على أربعة موقوفين من الحزب التقدمي الاشتراكي، بعدما أمر القضاء بإطلاق سراح أربعة آخرين لم يثبت أي دور لهم بما حدث، ويؤكد المصدر الاشتراكي، أن «إصرار النائب أرسلان على تسليم 30 شخصاً من الحزب الاشتراكي دليل كافٍ على أن القصّة «مش رمّانة بل قلوب مليانة»، وهذا لا يمكن القبول به». وقال «إذا كان الحزب الديمقراطي اللبناني يريد الحقيقة ويثبت أن مطلبه العدالة وتهدئة النفوس، عليه أن يسلّم المطلوبين لديه، الذين بدأوا عملية إطلاق النار وعرضوا حياة الأبرياء للخطر، وتسببوا بكلّ ما حصل»، مشيراً الى أن «من يعتقد أن العدالة تتحقق عبر حماية مسلحيه والانتقام من مناصري الحزب الاشتراكي، فهو مخطئ ونحن لسنا لقمة سائغة».
وتظهر الاصطفافات الجديدة توازياً ربما لم يكن متوفراً منذ التسوية الرئاسية، ويتعاطى جنبلاط مع هذه العوامل من موقع القوّة وليس الضعف، ويجد نفسه محمياً بغطاء داخلي من حلفائه أكثر من أي وقتٍ مضى، وموضع اهتمام دولي، بدليل زيارة عدد من سفراء دول القرار الى كليمنصو وتلقفه اشارات أميركية داعمة لموقفه ودوره، وهو ما أقرّت به مصادر مقرّبة من بيت الوسط، التي جددت تأكيدها أن «الحريري لن يقبل بكسر وليد جنبلاط في الحكومة». وأوضحت أنه «بقدر حرص رئيس الحكومة على التضامن الوزاري واهتمامه بأن يعود مجلس الوزراء الى الانعقاد سريعاً لاتخاذ قرارات ملحّة تهم اللبنانيين، بقدر ما يرفض منطق الغلبة والاملاء من طرف على آخر، فكيف بحليفه جنبلاط». ولفتت الى أن الحريري «مصرّ على الفصل بين حادثة قبرشمون الأليمة التي سلكت طريق المعالجة أمام القضاء، وبين عمل الحكومة، وتحويل مجلس الوزراء رهينة هذا الملفّ، أو السماح بأن يكون قنبلة لتفجير الحكومة من الداخل».