تتضاءل كل يوم حظوظ إنتخاب رئيس جديد للجمهورية قبيل توضح عاملين بالغي الأهمية: إنتهاء الحرب على غزة، وصدور نتائج الإنتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجري في الخامس من تشرين الثاني المقبل، والتي ستشكل مفصلا ليس بالنسبة إلى لبنان فحسب، بل بالنسبة إلى المنطقة ككل.
لذا فالعين على ما بعد هذين الإستحقاقين، والبحث داخليا وخارجيا يدور حول مرحلة اليوم التالي للحرب في غزة التي يرتبط بها الجنوب اللبناني، في ظل تساؤلات حول ما إذا كان الرئيس الأميركي السابق الجمهوري دونالد ترامب سيعود إلى البيت الأبيض وهو الذي انقلب على تفاهمات الرئيس الأسبق الديموقراطي باراك أوباما.
على أنه رغم ذلك ثمة جهود لملء الفراغ في هذ الوقت المستقطع مع استمرار احتمال بقاء الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، على رأس السلطة في بلاده.
ثمة رؤية غربية وفاتيكانية، والكرسي الرسولي هو الحاضن الرمزي للمسيحيين في لبنان، تتقاطع في الدعوة إلى إيصال رئيس إصلاحي حيث الرئاسة الوحيدة للمسيحيين، ليلائم المرحلة المقبلة على اللبنانيين.
بمعنى شخصية تواكب الإصلاحات التي على لبنان القيام بها، سياسيا وإقتصاديا، ولا يمكن سوى لشخصية شبه توافقية بين الجميع تنفيذها على أن يتعاون معها الجميع تقريبا وليس بالضرورة هنا أن توفر إجماعا حولها. ولكي تقوم بذلك ينبغي أن تكون وسطية غير منتمية إلى أي محور مهما آلت إليه نتائج الحرب في غزة وما إذا تمددت زمنياً أو توسعت إقليميا.
إنها رؤية تمخض عنها التقارب الأميركي (الغربي) الفاتيكاني. فلبنان ما زال يحتل أهمية كبيرة لدى الكرسي الرسولي الذي قرر تفعيل محركاته وترجمة هذا الإهتمام عملياً.
الغطاء المسيحي الخارجي والداخلي للطائف
للتذكير، فإن دور الفاتيكان كان جوهريا في إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية قبل نحو 34 عاما.
فقد وفر غطاء لا غنى عنه لاتفاق الطائف، واستند على مظلة داخلية ذات حدّين مسيحيّين، دينية عبر البطريركية المارونية، وسياسية عسكرية على الأرض عبر التنظيم الميليشيوي الأقوى، “القوات اللبنانية”، التي كانت تخوض حرب وجود مع الجيش اللبناني بزعامة العماد ميشال عون. وهو صراع كان سلطويا في الدرجة الأولى إتخذ معه زعيم القوات سمير جعجع قراره الإستراتيجي بدعم الطائف ليبصر النور بعد حسم عسكري سوري ضد عون بغطاء من بكركي والقوات نفسيهما، وطبعا، وهذا بالغ الأهمية، بغطاء أميركي.
يشير متابعون لدوائر غربية مهتمة بالشأن اللبناني إلى أن الإهتمام الغربي الفاتيكاني يرتكز على الثوابت المعهودة بحفظ المسيحيين ودفعهم إلى التجذر في أرضهم وفي الشرق عموما، وحفظ السلم الأهلي، والأهم، حفظ الكيان اللبناني الذي تشكل لهم أساسا وبات يمثل الملجأ الأخير للمسيحيين.
ثم ترتكز هذه الرؤية الغربية على ضرورة إجراء الحوار الجدي والصادق بين اللبنانيين الذي يقرب في ما بينهم ويطرح التعايش بين الطوائف في مرحلة بات معها السلم الأهلي ووحدة البلاد مهددين، لكن على أساس الطائف، الملاذ للبنانيين الذين توصلوا إليه بعد حرب أهلية دامت نحو 16 عاما وهو الإتفاق الذي اتخذ تضحيات كبيرة وقدم المسيحيون لإنجازه الكثير (ولو مضطرين)، ولا مانع من تعديل ثغراته التي إرتكبها المشرعون حينها على عجل، شرط حفظه.
وسطية إسلامية وحل للسلاح
ببساطة هي دعوة غربية إلى المسيحيين للإتعاظ من الماضي الأليم الذي شكل المدماك الإساس لانهيارهم. ثم التمسك بالعيش المشترك الذي لا قيامة للبنان من دونه وهو ما يعني ضمنا رفض أي حديث عن تقسيم أو فدرلة.. لكن في مقابل شريك لبناني مسلم يرغب في هذا العيش المشترك ينبذ التطرف والحل عبر السلاح ويتمسك بالإعتدال لكي يتخذ لبنان فعلا العنوان الذي أراده له البابا يوحنا بولس الثاني: لبنان الرسالة.
الأوساط نفسها تحذر المسيحيين من مغامرات لا تحفظ كيانهم وتدعوهم إلى تجنب أية مواجهة ستكون وبالا عليهم قبل غيرهم، من دون التخلي عن مطالبهم من “حزب الله” ودعوته الى ملاقاتهم حول حل جوهري لسلاحه الذي لا يمكن أن يبقى على هذه الشاكلة واختزال قضايا الحرب والسلم لا بل اختزال الكيان نفسه.
في الخلاصة من غير المقبول إستمرار “تهميش المسيحيين” الذي يقاربه الغرب بقلق في الوقت الذي تسير فيه عجلة البلاد وكأن لا وجود تأسيسيا لهم في هذا الكيان. وتطمئن هذه الرؤية المسيحيين من أنه حتى في حال تأجيل الحل وسقوط الديموقراطيين في الولايات المتحدة، فإن هذا لن يغير الجهود الدولية لتولية رئيس متوافق عليه يكون صاحب التوقيع الرئاسي على التسوية الحدودية، وبالتالي إطلاق صافرة الإنطلاقة لنهوض إقتصادي توازيا مع صياغة التفاهمات الإقليمية، والتسوية على صعيد القضية الفلسطينية. وإن كان ذلك بالغ التعقيد وسيطول.