تكاد تتطابق القراءات الدبلوماسية لمسلسل التفجيرات الإرهابية الذي يضرب لبنان، والذي تتساوى فيه انعكاسات العمليات الانتحارية مع تأثير الإشاعات حول تفجيرات تستهدف أكثر من منطقة وتأكدت صحتها في الساعات الماضية. وفي الوقت الذي بدأ فيه المناخ الأمني يأخذ أبعاداً بالغة الخطورة نتيجة ما يرسم للبنان من سيناريوهات إرهابية من قبل تنظيم «داعش»، كشفت مصادر دبلوماسية أوروبية في بيروت، أن المرحلة المقبلة تحمل أحداثاً أمنية وسياسية قد تشكل منعطفاً في الوضع الداخلي، وذلك على وقع التطورات الإقليمية المهمة في ضوء خطوات التقارب الروسي والتركي من جهة، والتركي والإسرائيلي من جهة أخرى. وتقول هذه المصادر أنه بعيداً عن كل التكهّنات باقتراب ساعة الحسم سورياً أو عراقياً بعد التحالفات المستجدة والتنسيق الروسي – الأميركي في الحرب ضد «داعش» في سوريا، فإنه من المبكر إطلاق أي أحكام مسبقة حول شكّل الواقع الذي سيتكرّس في ظل المواقف الروسية والتركية الأخيرة. وقرأت في الرسائل الميدانية التي وجهّتها موسكو إلى أكثر من طرف داخل سوريا والجوار، مؤشراً على التحوّل النوعي في مسار الصراع الدائر، علماً أنه من غير الممكن عزل هذه المستجدات عن الضربات الإرهابية التي تعرضت لها تركيا أخيراً، ودفعت نحو تغيير النظرة الإقليمية تجاه الأداء التركي في السنوات الخمس الأخيرة وتورطها في الحرب الدائرة في سوريا.
وقد أكدت المصادر الدبلوماسية ذاتها، أن تزايد القلق الغربي والأوروبي تحديداً على مستقبل لبنان الأمني كما السياسي، قد دفع نحو توجيه أكثر من رسالة تحذير عبر موفدين ومسؤولين أوروبيين إلى بيروت، ركّزت بمجملها على أهمية التنبّه إلى التحوّلات النوعية في الحرب التي يشنّها الإرهابيون والتكفيريون على لبنان والشعب اللبناني، والتي شكّلت التفجيرات الانتحارية الثمانية في بلدة القاع حلقتها الأولى. وقالت أن القلق الأوروبي اليوم، قد وصل إلى مستوى غير مسبوق بعدما عزّزت المعلومات الأمنية الأخيرة كل الهواجس التي كانت مطروحة في الأوساط السياسية والعسكرية منذ أشهر، وتحديداً منذ ما قبل حصول الانتخابات البلدية في أيار الماضي. واعتبرت أن اقتران الهواجس بالوقائع المثبتة في التقارير المحلية والديبلوماسية حول مخطّطات لتفجير الساحة اللبنانية أسوة بما يحصل في مناطق الصراع في المنطقة، يفضح مدى الحصار الذي تتعرّض له التنظيمات الإرهابية، والذي دفعها نحو فتح جبهات جديدة.
وأبدت المصادر الديبلوماسية نفسها، خشيتها من أن يكون ما جرى الحديث عنه حول تصعيد أمني، مقدمة لتداعي الاستقرار الداخلي، وانهيار «الستاتيكو» الذي كان سائداً رغم الشغور الرئاسي والشلل المؤسّساتي. كذلك لفتت إلى التداعيات الاقتصادية الخطرة الناجمة عن أجواء الخوف المسيطرة منذ مطلع الأسبوع، معتبرة أن ضرب القطاع النقدي ثم التفجيرات الانتحارية في بلدة القاع، وصولاً إلى تهديد مرافق سياحية، سيترك آثاره السلبية على الواقع السياحي الذي يراهن عليه اللبنانيون لدعم الاقتصاد المتردّي، كما أنه سيؤدي إلى المزيد من التأزّم على أكثر من مستوى مالي واقتصادي واجتماعي.
من هنا، فقد خلصت هذه المصادر، إلى التحذير من محطات دقيقة مقبلة تنتظر الساحة اللبنانية، وتقتضي رفع مستوى الجهوزية الأمنية كما السياسية، عبر تفعيل عمل الحكومة لمواكبة التحديات المتنوعة وتأمين سبل مواجهتها عبر الوقاية والاستباق لأي خطر داهم مهما كانت طبيعته.