IMLebanon

هلع الغرب: إسرائيل اولاً والباقون أضرار جانبية!

 

ليس هناك ما يبرّر هلع دول الغرب ومسارعتها الى إيفاد وزراء ومندوبين إلى لبنان وعبر السفراء في بيروت، لإيصال الرسائل والتحذيرات إلى المسؤولين والسياسيين وعبرهم إلى «حزب الله»، بعدم توسيع جبهات الحرب، سوى عاملين اساسيين، بحسب مصادر سياسية متابعة: الأول تأكيد «الدعم السياسي والمعنوي والعسكري المطلق» للكيان الاسرائيلي في حربه المجنونة على قطاع غزة واهله، وآخرها مجزرة مستشفى المعمداني، علّه يستعيد بعضاً من «هيبته وعنصر قوته ودوره الاستعماري في المشرق العربي»، بعد انهيار جبهته الداخلية وانكسار صورة الجيش الذي لا يُقهر مرة اخرى، وبعد تنامي الهجرة المعاكسة للمستوطنين من فلسطين المحتلة إلى اوروبا والاميركيتين ودول اخرى.

العامل الثاني، الرغبة في إبقاء دول المنطقة في حالة استتباع كامل للغرب سياسياً وامنياً وانمائياً وعلى مستويات اخرى كثيرة، ولو ارتكب الكيان الاسرائيلي المجازر وخالف القوانين والمواثيق الدولية، واستباح حدود وسيادة الدول المجاورة لفلسطين وبخاصة لبنان. ذلك انّ الغرب يعتبر هذا الكيان الغريب والهجين في المنطقة اولوية له لحفظ مصالحه الكبرى، اما ما يصيب الدول الاخرى نتيجة العدوانية الاسرائيلية فهو بمثابة «أضرار جانبية أو إصابات بالخطأ من صديق وحليف مُفترض».

كانت ازمات لبنان المتلاحقة والمتشعبة منذ العام 2019 منسية لدى الغرب بمقدار كبير وخصوصاً في السنوات الثلاث الاخيرة. وكان الهمّ الاكبر، وربما الوحيد، لدى بعض الدول، ولا سيما منها اميركا وفرنسا، استكشاف ما يحتويه بحر لبنان من خيرات الغاز والنفط، لتعويض اوروبا الغاز الروسي الذي انقطع نتيجة الحرب على اوكرانيا. لكن تبيّن لاحقاً انّ حتى هذه الثروة الدفينة لا تعني كثيراً للغرب، طالما انّ ثروات فلسطين المحتلة البحرية تُستخرج ويتمّ تصديرها إلى اوروبا.

 

اما ثروات لبنان البحرية فهي بمثابة احتياطي «استراتيجي مقدور عليه» يتمّ استخدامه لاحقاً، ومن هنا تمّ طرح الأسئلة الكثيرة عن سرّ وقف شركة «توتال» حفر «بئر قانا» في الرقعة البحرية اللبنانية الرقم 9 في توقيت مريب يفترض سوء النية، إلى حين تبيان الأسباب التقنية والجيولوجية الحقيقية لوقف الحفر، وهي حسب معلومات «الجمهورية» ستأتي متأخّرة ثلاثة اشهر تقريباً لإنهاء فحص العينات المستخرجة، وقد تعمد الشركة الى إقفال البئر في حال ثبت علمياً عدم انتاجيته والبحث عن بئر أخرى، الامر الذي يستغرق حسب المعلومات التقنية ايضاً نحو سنة.

 

وبدا واضحاً ممّا حملته وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا الى لبنان ومواقفها المعلنة بعد لقاءاتها مع المسؤولين، انّ التوجّه الغربي ما زال كما كان منذ نشوء الكيان الاسرائيلي، بل يزداد شراسة كلما تعرّض الكيان لهزّة سياسية او امنية كبيرة. ومثلها فعل الاميركيون ودول اوروبية اخرى وخصوصاً بريطانيا ودول مشرقية تدور في الفلك الغربي. وعلى هذا بات على الدول المتضرّرة من سياسات الغرب أن تعيد حساباتها في التعاطي معه وبما يُراعي مصالحها الوطنية الاستراتيجية ومصالح شعوبها المتضرّرة اكثر من الأنظمة.

ولعلّ مجزرة مستشفى المعمداني فعلت تأثيراً طفيفاً في الموقف الغربي، الذي سارع الى رفضها والتحذيرمن عواقبها، والتركيز على النواحي القانونية والأخلاقية التي يجب ان تُعتمد في الحروب، ولم يصل إلى إدانة الكيان الاسرائيلي او طلب لجنة تحقيق دولية او إجراء محاكمات لمرتكبيها. بل انّ التعاطف والدعم ظلا قائمين، وبدا ذلك من زيارة الرئيس الاميركي جو بايدن امس الى الكيان.

 

ومع ذلك، ثمة اوراق قوة كثيرة تمتلكها دول المنطقة المتضرّرة من سياسات الغرب، فهي دول غنية ولديها قدرات بشرية وعسكرية اثبتت فعاليتها في مفاصل حيوية كثيرة، لكن أنظمتها مستتبعة سياسياً ومصلحياً، مع ضرورة الإشارة هنا (بين قوسين) الى الموقف الاوروبي المعادي لحقوق لبنان ومصالحه في ملف النازحين السوريين. وهي ورقة قوة يمكن استخدامها في وجه الغرب إذا أحسن لبنان الرسمي استخدامها، إذ كما قالت مصادر رسمية ونيابية متابعة للملف، انّه «لا يكفي الصراخ وتسجيل المواقف في المنابر والمنتديات الدولية، كما حصل في الجمعية العمومية للأمم المتحدة وقبلها في مؤتمر الاتحاد الاوروبي في بروكسل خلال آب الماضي لإعادة النازحين، بل يجب استخدام كل الاوراق المتاحة ومنها فتح باب ترحيل النازحين غير الشرعيين الى اوروبا».

ومن اوراق القوة ايضاً استخدام ورقة التوجّه شرقاً للإستغناء بنحو ولو محدود عن التبعية للغرب، وها هي الصين ودول اخرى تفتح ابوابها لدعم لبنان ودول المشرق العربي عبر مشاريع تنموية وإنشائية وخدماتية. لكن المهم توافر القرار السياسي الشجاع حتى لا تبقى دول المنطقة مجرد «أضرار جانبية».