الديمقراطية باليونانية حرفياً حكم الشعب هي شكل من أشكال الحكم يشارك فيه جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة أو مباشرة أو من خلال ممثلين عنهم منتخبين، والديمقراطية الاثينية مباشرة تطلب مشاركة واسعة للمواطنين في السياسة وقامت على الاستفتاء يتخذ فيه الشعب قرارات بشأن المبادرات السياسية عبر التصويت المباشر من أفراد الشعب على عكس الديمقراطية التمثيلية. وتعتبر الديمقراطية نظام حكم حيث تكون السلطة العليا بيد الشعب الذي يمارس سلطاته بشكل مباشر أو عن طريق ممثلين عنهم يتم انتخابهم من الشعب بانتخابات حرة لتجعل السلطة بأيدي الشعب عبر ممثليه الذين اختارهم بالانتخابات. كيف طبقت الديمقراطية وهل هي صالحة للتطبيق في كل المجتمعات؟
طبقت الديمقراطية في مجتمعات كثيرة منذ القدم ويعود تطبيقها الى الاغريق والرومان حيث طبقت أول تجربة ديمقراطية في مدينة أثينا في اليونان في القرن الخامس قبل الميلاد. وتميّز هذا النظام بتطبيق الديمقراطية المباشرة من خلال اجتماع أفراد الشعب ومناقشتهم في مشاكل الحكم دون الحاجة الى ممثلين عنهم، نجح هذا النموذج نظريا لقلّة عدد السكان في أثينا والسماح للذكور التصويت واستبعاد النساء والعبيد والأطفال والأجانب، وكان التشريع يتم من خلال مجلس الخمسمائة وجمعية ديموس ومجموعة المجالس المختصة بالتشريع.
وهناك تجربة ثانية لممارسة الديمقراطبة في ماجنا كارتا في إنجلترا عام 1215م ففي ذلك الوقت تم اصدار وثيقة سميت بالوثيقة العظمى والتي نصت على حماية الشعب من سوء المعاملة التي كانوا يتعرضون لها من قبل الاقطاعيين وتعرض الملك للمساءلة القانونية. وخلال القرنين السابع عشر والثامن عشر بدأت الديمقراطية بالانتشار حتى وصلت اليوم الى جميع انحاء العالم، ويوجد العديد من الأنظمة الديمقراطية ونماذج عدة لها. حيث ظهرت عدة اشكال للديمقراطية مثل:
الديمقراطية المباشرة: التصويت من قبل الشعب على أي من قرارات السياسية بشكل مباشر دون الحاجة الى ممثلين عنهم وأي قرار يصدر عن الحكومة يجب أن يعرض على المواطنين كي يتم التصويت عليه ويكون للمواطنين القرار الحاسم في إدارة شؤون بلادهم. مثلاً الاستفتاء العام حول قضية مصيرية، العلاقات الدولية المعاهدات الأمنية والسياسية والضرائب، وهذا الشكل ينجح في المجتمعات الصغيرة المتجانسة وتعتبر سويسرا من الدول التي طبقت هذا النظام.
الديمقراطية النيابية: هي الأكثر تطبيقاً في دول العالم وفيها يتم التصويت لاختيار ممثلين عن الشعب في البرلمان.
الديمقراطية التعددية: هي عبارة عن مجموعات منظمة تشكّل لمناقشة القضايا السياسية المشتركة إذ يحدّد الفرد القضايا التي تهمّه وينضم للمجموعة التي تناقش هذه القضايا من أجل دعمها، وهذا الشكل يطبق في الولايات المتحدة وهذه المجموعات تؤثر بشكل مباشر في القرارات السياسية التي يتم اتخاذها.
الديمقراطية البرلمانية: وفيها يتم انتخاب البرلمان واسناد السلطة إليه ويتم اختيار رئيس للوزراء ويحق للمجلس التشريعي عزله بحجب الثقة.
الديمقراطية الاستبدادية: يتم اختيار النخبة لإدارة مصالح المجتمع.
الديمقراطية التشاركية: تعطي مجال للمواطنين للمشاركة الواسعة في السياسة واتخاذ القرارات السياسية.
الديمقراطية الاجتماعية: تنص على تأمين الخدمات الأساسية للمواطنين مثل الصحة والتعليم والسكن والغذاء.
الديمقراطية التمثيلية : يحق فيها لأي شخص الوصول الى الرئاسة والفوز بها ويمارس السلطة حسب قناعاته دون أي تقييد لسلطته.
الديمقراطية التداولية: تقوم على مشاركة جميع أفراد المجتمع بوضع القرارات السياسية بعد مناقشتها بشفافية بين جميع المواطنين.
الديمقراطية النسبية: التي تعتمد على نسبة التصويت أو على تصويت الأغلبية.
وهناك أشكال أخرى من الديمقراطية منها الرقمية، الدستورية، غير الدستورية، الفدرالية، الوحدوية، الليبرالية، الرئاسية والشمولية.
الديمقراطية بمختلف أشكالها تهدف الى مشاركة المواطنين في القرارات السياسية والمصيرية وإعطاء الفرصة للمواطنين لاختيار ممثليهم في السلطة التشريعية وضمان المساواة والعدالة بينهم ومنع الاستبداد في السلطة وتعزيز التغيّر في السلطة السياسية وتعزيز وعي الفرد لدوره وحقوقه وتعزيز الرقابة على السلطة التنفيذية ومحاسبتها من خلال ممثلي الشعب في المجلس النيابي.
رغم الإيجابيات المذكورة لتطبيق الديمقراطية إلّا ان تطبيقها في جميع أشكالها لها الكثير من المساوئ ومنها:
1- استغلال الأفراد المحتاجين بتقديم الرشوة لهم لاستمالتهم للتصويت لشخص أو حزب أو جهة محددة مما قد يؤدي الى وصول أشخاص غير أكفّاء الى السلطة.
2- استخدام المال والنفوذ السياسي والقوة والضغط للتأثير على الناخبين لانتخاب أشخاص محددين.
3- المنافسة غير المتكافئة بين مرشحين يملكون إمكانيات الوصول الى الناخبين من خلال وسائل الإعلام الموجهة وطرح مشاريعهم الانتخابية وعجز مرشحين آخرين عن ذلك في البلدان الذي يغيب فيها تنفيذ القوانين.
4- عدم المساواة في المشاركة في اختيار الممثلين بين أفراد مؤهلين يملكون القدرة على الفهم المشاريع الانتخابية وارتباطها بحل المشكلات الذي يعاني منها المجتمع وأفراد غير المؤهلين لذلك لا يجوز المساواة بين غير متساوين في الفهم والقدرات.
5- التأثير السياسي والمالي الكبير للشركات الاقتصادية الكبيرة في إدارة وتوجيه الناخبين في الدول الاقتصادية المتقدمة.
6- إمكانية تزوير نتائج الانتخابات في البلدان التي تأخذ العملية الانتخابية كغطاء لإيصال أشخاص محددين الى السلطة.
7- تلعب العصبية الطائفية والمذهبية والعرقية في المجتمعات التي تتكون من أقليات دوراً أساسياً لاختيار الممثلين وبالتالي إيصال اشخاص يعززون الانقسام والصراع داخل هذه المجتمعات.
8- غياب الحرية الاجتماعية في الدول الفقيرة يدفع الناخبين الى اختيار المرشحين الذين يقدمون خدمات اجتماعية للأفراد وهذا يعتبر أحد أوجه الرشوة وإيصال أشخاص غير مؤهلين للسلطة.
9- الديمقراطية الغربية استباحت الكثير من البلدان وسيطرت على ثرواتها وقراراتها ولعبت دوراً أساسيا في تغيير أنظمتها تحت شعار الديمقراطية كما حصل في كوريا والفيتنام وليبيا والعراق وسوريا وغيرها الكثير من الدول في أفريقيا وأميركا اللاتينية. تحت شعار الديمقراطية احتُلت دول وسُيطر على ثروات دول وقسّمت دول وحوصرت دول أخرى.
10- الديمقراطية تُشرع بالأكثرية فتصبح قوانينها ملزمة للأمة ولو كانت مخالفة للفطرة أو الدين وتفرض العديد من القوانين تخالف طبيعة المجتمعات و تهدد استمرارها مثل زواج المثليين وحرية اختيار الجنس والعمل بكل الوسائل لفرضها على المجتمعات الأخرى تحت شعار الحرية وحقوق الإنسان.
النظام الديمقراطي يصلح في البلدان المتقدمة في وعي الأفراد لحقوقهم وواجباتهم والقدرة على الرقابة والمحاسبة وفي المجتمعات الصغيرة والمتجانسة. ولا يمكن تطبيقها في المجتمعات التعددية والمتخلّفة والمجتمعات الواسعة ذات الكثافة السكانية وفي المجتمعات المتعددة الطوائف والأعراق والقبائل والمذاهب.
الأفضل للحكم الديمقرطية التمثيلية بحيث تختار كل مجموعة أو جماعة صغيرة ممثلين عنها بالاختيار المباشر وبالمعرفة المباشرة بالممثلين وقدراتهم وتشكيل مجلس تشريعي يضع القوانين ويختار السلطة التنفيذية التي تدير المجتمع على قاعدة الشورى.