جمّد الاتفاق النووي الإيراني الأوّلي (الاطار) التدهور الدراماتيكي في الشرق الأوسط، لكنّه لن ينجح بتبديد التوتّر مع دول الخليج وفي مقدّمتها السعودية، وستشكّل منطقة الشرق الأوسط مساحة شاسعة للفوضى ولتصادم الأفكار حول النماذج العتيدة لأنظمة الحكم.
إنّها نظرة ديبلوماسيّة سوداويّة تتقاسمها مراكز أبحاث ومعاهد تحليل السياسات وتعبّر عنها الأوساط الديبلوماسيّة الأوروبية والأميركيّة بشكل صريح بالرّغم من شعور هذه الدّوائر بالإنجاز المهمّ الذي تحقق مع إيران.
وتقع سوريا ومصر والعراق وليبيا واليمن في صلب تحوّل الديناميّات الإقليمية صوب الفوضى العارمة، وفي أفضل الأحوال نحو الفيدراليّة التي لن تستقيم سريعا، ولن يكون لبنان بمنأى عن التهديدات من جهة إسرائيل التي تعمل بدورها على إضرام الفوضى.
يقول ديبلوماسي غربي يتابع في نيويورك ملفّات الشرق الأوسط وملفات لبنان جزء منها بأنّ «استعادة المساحات العراقية من تنظيم «داعش» سيسهّل الحلول السياسية المجمّدة في سوريا بالإضافة الى التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني في حزيران المقبل، الأمر الذي من شأنه أن يفتح الطريق في نهاية هذا العام على اتفاق بين الإيرانيين والأميركيين بغية إيجاد حلّ سوري عتيد».
واشار الى أنّ الحلّ السوري سيشبه اتفاق الطائف اللبناني «بحيث سنكون امام «طائف سوري» من المتوقّع أن يضمن احتفاظ الطائفة العلوية برئاسة الدّولة السورية، كما يحتفظ الموارنة بالرئاسة اللبنانية والأكراد بالرئاسة العراقيّة»!.
ويشير الدبلوماسي الى أنّ «سوريا لا يمكنها أن تبقى موحّدة بل ستتمّ «فدرلتها»، أما لبنان فلن يتأثر بهذه الحركة السورية بشكل ملموس».
إسرائيل على الخط
لكنّ الديبلوماسي الذي يتابع الملفّ اللبناني عن كثب يقول لـ «السفير» بأنّ تطوّرات المنطقة لا سيما الاتفاق النووي، «قد تدفع إسرائيل الى التحرّك ضدّ إيران أو «حزب الله» في بقع معينة وفي مقدّمتها الجنوب اللبناني».
الديبلوماسي الذي رفض الكشف عن إسمه تمنّى «ألا يتحقق هذا السيناريو، لكننا نذكر جيّدا ما حدث في مطلع السنة الحالية وتحديدا في كانون الثاني، حيث وجّه الإسرائيليون رسالة الى «حزب الله» لإعلامه بأنهم يرصدون نواياه وأفعاله الميدانية في الجولان السوري (عملية القنيطرة التي ذهب ضحيتها كوادر من «حزب الله» وضابط إيراني)، وأنه على الحزب الكفّ عن الحراك في تلك المنطقة وإلا فإن الأمور ستتدهور بحيث ستردّ إسرائيل بشكل قاس، ولعلّ الردّ الذي قام به «حزب الله» في مزارع شبعا كان منتظرا، وكان محدودا وعلى تخوم الخطّ الأزرق، ولكنّ الرسالة الإسرائيلية كانت جدّية، والمعروف بأنّ «حزب الله» لا يتحدّث مع الإسرائيليين والعكس صحيح، وبالتالي فإن رسائلهما المتبادلة تكون عبر الأفعال عادة». ويشرح: «أيّة حركة هجوميّة تجاه لبنان ستنبثق من خشية إسرائيلية من وجود تهديد استراتيجي في الجولان وهذا هو برأيي مصدر التهديد الرئيسي للبنان».
الفوضى العارمة
وعن تفسيره للتحالف الإستراتيجي بين إسرائيل و «جبهة النّصرة» المنبثقة من تنظيم «القاعدة» في حين يشكّل «حزب الله» «خصما عقلانيّا» كما يعبّر الإسرائيليون أنفسهم، يقتبس الديبلوماسي الغربي مثلا قديما يقول: «إنّ عدوّ عدوّي هو صديقي»، ويشرح: «يدرك الإسرائيليون أنّ عدوّهم في المدى البعيد يتمثّل بتنظيم «القاعدة»، إلا أنّ التهديد الوشيك يتمثّل بـ «حزب الله».
وبالتالي ترى إسرائيل أنّه من المفيد جدّا حصول صدام بين هذين الطرفين («حزب الله» و «جبهة النّصرة») لأنه يخدم مصلحتها، كما أن الفوضى العارمة اليوم بين الدول القوية في الشرق الأوسط تصبّ في مصلحتها المباشرة أيضا، فالإسرائيليون مرتاحون جدّا لرؤية السعوديين والإيرانيين يخوضون الحرب في اليمن، ومطمئنون للتفرّج على مصر الواقعة في شرك التطرّف في ليبيا ويهنأون لرؤية الأوضاع المرتبكة في العراق والمتفجّرة في سوريا».
ويتطرّق الديبلوماسي الى الفوضى التي ستشهدها البلدان العربية في داخلها أيضا: «من المنتظر أن نشهد صداما بين أنواع عدّة من الأنظمة في داخل البلاد العربية: النموذج الإخواني كما ترغب تركيا وقطر، النوع الآخر من الأنظمة العتيدة هي الاستبدادية العسكرية كما في مصر اليوم وفي بعض البلدان الخليجية، ولكنها بعيدة من عقيدة «الإخوان المسلمين»، والسيناريو الثالث هو أنظمة متطرفة، أما الأنظمة الرابعة فهي تلك التي تميل الى الديموقراطية كما في تونس والأردن والمغرب، وسنشهد صراعا بين هذه النماذج من أنظمة الحكم في داخل البلدان العربية وفي ما بينها أيضا».
ويخلص الديبلوماسي الغربي بأنّ أي اتفاق نووي نهائي مع إيران «لن يؤثر في ملفات منطقة الشرق الأوسط، أقلّه في المدى القصير، وربّما سنشهد إيجابياته (الممكنة) في المديين المتوسّط والبعيد لكن ليس القريب والفوري، وهو بالتأكيد لن ينعكس إيجابيا على العلاقات السعودية الإيرانية. يتمنّى الأميركيون أن تكون لديه أصداء إيجابيّة لكن ينبغي الحفاظ على واقعيّتنا لأنّ الاتفاق النووي مع إيران لن يبدّل العالم بالرّغم من إيجابيّته الأكيدة».