لا نستطيع التكهّن في شكل إخراج الموقف المتعثر في مفاوضات الملف النووي الإيراني. قد يكون تمديد مهلة التفاوض أو إعلان ما يشبه الاتفاق الجزئي تفادياً لإعلان الفشل أو وقف التفاوض.
كل التقدم في الجانب التقني، وقد نجحت إيران في التعامل معه، يصطدم بأساس الموقف الغربي سواء تجاه المكتسبات الإيرانية العلمية والتقنية، أو تجاه فك الحصار من العقوبات الاقتصادية إلى الدور السياسي. فلا يمكن أن نتوقع من الغرب الآن، الأميركي والأوروبي، تعاملاً على أساس الحقوق والمساواة والندّية واحترام طموحات الشعوب والدول، وهو يخوض علناً معركة تخفيض أسعار النفط كأحد أشكال الضغط المهمة على اقتصاديات المشاغبين على سياسته.
هذه التجربة مرّ بها الاتحاد السوفياتي السابق من السبعينيات حتى أواسط الثمانينيات حين وقّع اتفاقيات مهمة على صعيد الحد من سباق التسلح (سالت 1 و2 وحرب النجوم) وتمّ نقضها من الأميركيين حيث تتغيّر الإدارة الأميركية والاتجاهات السياسية الخارجية داخلها.
ولم يتبدّل الأسلوب الأميركي مع انهيار الاتحاد السوفياتي ونشوء الاتحاد الروسي واعتماده سياسة رأسمالية وليبرالية وتخلّيه عن مبدأ الصراع الإيديولوجي وكذلك المنافسة على مصالح الغرب الحيوية.
مهما تبدّلت الإدارات الأميركية، أكانت لها حوافز إيديولوجية إضافية، كما حصل في عهد «المحافظين الجدد» أو من دون هذه المحرّضات، لا تراجع عن فكرة الدور القيادي والمهيمن لأميركا في العالم. طبعاً ليست إيران لتطرح دورها منافساً لهذا المشروع كما يمكن أن يكون الأمر مع روسيا أو الصين أو أوروبا الغربية سابقاً، لكنها الآن جزء من مشروع مناهض لدور أميركا القيادي والمهيمن، وتستطيع أن تحصل على ميزات ليست قليلة الأهمية من الدخول في أحلاف دولية أخرى كما هو حاصل مع دول (البريكس أو تعاون شنغهاي). وفي كل حال فإن إيران لم تستطع أن تشكل نظاماً إقليمياً وحدها وبقيادتها، برغم أنها هي التي تعطل مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذي يسعى ويعمل عليه الغرب في العقدين الأخيرين. ومن السذاجة الترويج أن أي دولة عربية أو محور عربي يستطيع الآن أن يمنع الاتفاق الأميركي والغربي مع إيران إذا كان الغرب يجد مصلحته في ذلك الاتفاق.
مصلحة إيران في الاتفاق النووي هي في رفع العقوبات ومصلحة الغرب في الضغط على الاقتصاد الإيراني لكبح صعودها السياسي والاقتصادي والتقني والعسكري. هكذا أضاف الغرب إلى جدول الأعمال مسألة الأسلحة الصاروخية البالستية وقد يضيف تعقيدات أخرى. هناك إيحاءات غربية كثيرة عن الدور الإقليمي لإيران لكن إيران لا تستجيب لأي بحث خارج الملف النووي لأن ذلك يجرّدها من «سلاحها الإيديولوجي» خاصة في موضوع العداء لإسرائيل.
لقد أكدت التجربة حتى الآن أن كل الحوار والتفاوض الجاري والرغبة الجدية والمصلحة الحقيقية في تفاهم أميركي إيراني دونها الكثير من العقبات والتعقيدات. ما يجعل التفاهم ممكناً هو الوصول إلى تأمين مصالح الطرفين الأساسية والتي لا يختصرها الملف النووي. لا أحد يستطيع أن ينفي احتمال ذلك عند وصول الطرفين إلى حالة الاضطرار. لكن الظاهر حتى الآن برغم الضغوط المتبادلة هناك الكثير من الأوراق التي يمكن أن يجري استخدامها لتحسين الشروط. يستنهض الأميركيون حلفاءهم ويرتبون تجميع القوى ويستخدمون عناصر النزاع السني الشيعي ويرفعون من قدرة الجماعات المناهضة لإيران، وكذلك إيران تتقدّم في بعض المواقع وتتوسع في بعض البيئات وتستخدم نفوذها في الضغط على أميركا والغرب وعلى الدول العربية الحليفة لأميركا والغرب.
هكذا يبدو أن لدينا المزيد من الوقت ومن المواجهات الحامية قبل أن تنضج التسويات في «الشرق الأوسط» وليس فقط في الحل الإيراني مع أميركا والغرب. حكومات الغرب صنّاع الأسلحة وتجارها هم آلهة الحرب الحقيقيون في العالم.