فتحت معركة راس بعلبك التساؤلات المصيرية الصعبة على مستويات عدة. فالوضع الذي تجاوز مرحلة رد الجيش المحكم على المسلحين في مواجهة رأس بعلبك، إلى مرحلة تحصين المناطق الآمنة باجراءات ومداهمات شملت مناطق عدة شكلا ومضمونا واللافت التحذير الذي وجهته السفارة الأميركية في بيروت إلى رعاياها، داعية إياهم إلى اتخاذ الحيطة والحذر أثناء تجولهم في المناطق اللبنانية. كما دعت الأميركيين إلى تجنب السفر إلى لبنان. واللافت أكثر أن التحذير الذي وزع برسائل نصية عبر الهواتف الخلوية ذكر ان من الأهداف المستقبلية للارهاب قد يكون كازينو لبنان أو فندق «لو رويال».
أوساط مطلعة اشارت الى ان معركة رأس بعلبك اتخذت بعداً أكثر اهمية من معركة عرسال الاولى، لافتة الى ان المواجهات في تلة الحمرا وُضعت على مرصد مكبر لدى بعثات ديبلوماسية غربية كثيرة ابرزها بطبيعة الحال الاميركية والاوروبية التي بدأت تستشعر خطورة تركيز التنظيمات الارهابية على الجبهة اللبنانية وما يمكن ان يتولّد عن ذلك من احتمالات مقبلة، حيث اتخذ القرار بارسال فريق متخصص الى لبنان للاطلاع على الاوضاع عن قرب، كاشفة ان التقويم الموضوعي للمعركة يثبت مجموعة نقاط مهمة استوقفت الجهات المعنية بها داخلياً وخارجياً. فمن الناحية الميدانية، أثبت الجيش اللبناني مرة جديدة جهوزيته العالية للمواجهة سواء في عمليات استباقية داخلية او في احتواء محاولات الاختراق على الحدود ومنْع اتساعها ومنْع الارهابيين من السيطرة على اي منطقة حدودية او التوغل الى الداخل اللبناني، واعتبار مصادر عسكرية ان الاحداث الاخيرة شكلت اختبارا للدور الذي تستطيع ان تلعبه المروحيات العسكرية في مثل هذه المعارك، وكانت نتيجة التقييم، بعد المعركة جيدة.
كما برز عامل آخر مهم جداً تضيف الاوساط تمثل في استماتة المجموعة العسكرية الأساسية التي تعرضت للهجوم في الدفاع عن مركزها وعدم إتاحة المجال للمهاجمين في خطف اي عسكري، حيث تبين بحسب الوثائق التي عثر عليها ،ومن بينها خريطة وجدت مع أحد القتلى في تلة الحمرا، تشير إلى ان هدف الهجوم كان تطويق تلة أم خالد وأسر جنود من الجيش والهروب بهم نحو جرود القلمون، بعدما بينت لهم التجربة السابقة ان اسر الجنود عملية تبيض ذهبا وتعود عليهم بفائدة كبيرة تمكنهم من التحكم بالساحة السياسية اللبنانية من خلال الاهالي، خاصة وانهم يتحكمون بتحركاتهم ويرسمون خططها وفقا لاهوائهم وخياراتهم يتولى الاهالي فرضها على مجمل الحركة السياسية في لبنان كما حصل سابقا في ظل التراخي السياسي حيال هذه القضية. وتأسيسا على كل ذلك لا يتوانى الارهابيون للحظة عن التفكير بأسر المزيد من الجنود ورسم الخطط للوصول الى الهدف المتمثل بخطف المزيد وهو هدف بات يمثل لهم قضية محورية توازي البقاء وتستحق تقديم المزيد من القتلى في سبيل تحقيقها. غير ان حسابات البيادر الحدودية لم تطابق حسابات الإرهابيين الذين فشلوا في استغلال المخطوفين العسكريين في تنفيذ أجنداتهم، وزيادة مساحة الإرباك اللبناني تحت هذا العنوان.
في المقابل ثمة ما يقلق في تكرار ظاهرة الخرق تقول الاوساط، الذي يتمكّن منه الارهابيون في الموجة الاولى من هجماتهم والتي غالباً ما تطاول المراكز المتقدمة للجيش، وهي نقطة بدأت تأخذ بعداً قلقاً أكثر من السابق خشية ان يطوّر الارهابيون أنماطهم ويقومون لاحقاً بعمليات مفاجئة مختلفة عن المحاولات السابقة.وفي هذا الاطار استغلت بعض الأطراف في الثامن من آذار العملية كمدخل للغمز من قناة الرئيس ميشال سليمان وصفقة السلاح الفرنسي الممول سعودياً، حيث اشارت مصادر بقاعية الى أن المؤشرات الإيجابية والمشجعة على الجبهة الشرقية من رأس بعلبك الى عرسال فيها، لا تعفي السلطة السياسية من واجبين مصيريين: الأول، الإسراع في تسليح الجيش من دون تأخير، وهو ما بدا واضحا في قرار واشنطن فتح مخازن سلاح الجيش الاميركي في الاردن والامارات لتسريع نقل السلاح الى لبنان، والثاني حسم خيار المواجهة مع الإرهابيين،ذلك أن أي جيش نظامي لا يقبل الدخول في حرب استنزاف مع أي ميليشيا ولا يحتملها. وبالتالي فالمطلوب اتخاذ قرار وطني كبير، بتوجيه ضربة جذرية، بالتنسيق مع كل القوى الصديقة والحليفة في الحرب ضد الإرهاب، ووقف التفاوض من أجل تحرير إرهابيين مسجونين.
في أي حال، فإن الأوساط المعنية نفسها تلفت الى ان الساعات المقبلة ستشهد تكثيفاً للاتصالات والمشاورات الداخلية وإعادة تقويم مجريات ما حصل في جرود رأس بعلبك، خصوصاً ان هذا التطور لم يغب على ما يبدو عن الأحاديث التي دارت في منزل الرئيس سعد الحريري في الرياض بعد تقديم التعازي.
حسم الجيش معركة رأس بعلبك، لا ينهي التساؤلات حول الاهداف والمخططات المرسومة للمرحلة المقبلة، حيث يسعى داعش الذي يقاتل في سوريا والعراق, الى جعل لبنان بأي ثمن جزءا من معادلته الإقليمية بحسب الاوساط كونه جزءا من بلاد الشام, وبه تكتمل مغامرة أبو بكر البغدادي بإقامة دولة العراق والشام لذا ومهما كلف الأمر من خسائر فمحاولات الاختراق ستستمر, خصوصاً بعد أن عزز «داعش» قواته في الجهة السورية من الحدود مع لبنان وحسم الأمر له على حساب الكثير من التنظيمات المسلحة.